الرئيسية / الرئيسية / تقرير: حزب اليعقوبي قلص طموحه من نشر الفضيلة في العراق إلى إدارة موقف للسيارات!

تقرير: حزب اليعقوبي قلص طموحه من نشر الفضيلة في العراق إلى إدارة موقف للسيارات!

الشرق اليوم- في حي المنصور الراقي وسط بغداد، تنتصب صورة كبيرة لرجل الدين محمد اليعقوبي، الأب الروحي لحزب الفضيلة الإسلامي، والمرجع الذي تبنى مقترح قانون برلماني يجيز زواج الفتيات في عمر التاسعة، مع إشارة إلى أن هذا الرجل يعمل على الأرض بالنيابة عن الإمام المهدي المنتظر، آخر الأئمة المعصومين وفق معتقد الشيعة الإثني عشرية، ومخلّصهم.

وحزب الفضيلة هو واحد من جملة الأحزاب والتيارات الشيعية التي تأسست بعد 2003، في إطار ديني يقوم على فكرة تقليد الأتباع للمرجع الديني في دينهم ودنياهم، ما يكسب رجل الدين هالة يختلط فيها الشأن الحياتي اليومي بالمقدس.

ويعرّف حزب الفضيلة نفسه بأنّه “حزب سياسي إسلامي ذو شخصية اعتبارية وقانونية تبلورت أفكاره الأولى بين مجموعة من المجاهدين في مرحلة الدكتاتورية حاملا تطلعات العراقيين ومستوعبا لهمومهم وآمالهم رغم قساوة الظروف آنذاك والتي استدعت تأجيل بناء الهيكل التنظيمي للحزب وإعلانه إلى ما بعد سقوط الدكتاتورية في العراق”، مشيرا إلى أنه يسعى إلى “بناء دولة عراقية حديثة مستقلة ذات نظام سياسي يستمد مشروعيته من تفويض الشعب”.

وحرص حزب الفضيلة على المشاركة في العمليات الانتخابية المختلفة التي شهدها العراق بعد 2003 واستأثر بوزارة العدل في حكومات متعاقبة، حتى صارت تسمى باسمه.

وكما هو دأب الأحزاب الدينية الشيعية الحاكمة في العراق طيلة السبع عشرة سنة الماضية، حوّل الحزب وزارة العدل إلى بوابة لتمويل أنشطته السياسية ودعم ديمومة حضوره في الساحة السياسية، برغم دوره المحدود.

وارتبط الفضيلة وراعيه اليعقوبي بأحد أكثر مشروعات القوانين إثارة للجدل في العراق، وهو قانون الأحوال الشخصية، إذ قدم الحزب مقترحا، قال إنّه يستمد مضامينه من فقه جعفر الصادق أحد الأئمة الشيعة الإثني عشر لتنظيم عملية الزواج في المحاكم حيث يتيح المقترح تزويج القاصرات ما دون سن التاسعة.

الحزب الذي يستمد اسمه من الفضيلة لم يتورع عن السطو على جامع غير مكتمل البناء وتحويله إلى مشروع تجاري

وحاول اليعقوبي أيضا استخدام هالته الدينية في الضغط على البرلمان لإقرار قانون للمحكمة الاتحادية العليا المختصة بالفصل في النزاعات الدستورية، يسمح لرجال دين بشغل مقاعد أصيلة ضمن هيئتها القضائية. وأثار طرح فكرة القانون للنقاش صيف سنة 2019 عاصفة من الجدل والاعتراضات، إذ رأى كثيرون أنّه يوطّد سلطة رجال الدين على حساب رجال القانون والسياسة المدنيين ويرسّخ الدولة العراقية في طابع ديني أقرب إلى الصيغة الإيرانية حيث يلعب عدد محدود من رجال الدين دورا محوريا في تحديد الخيارات الكبرى للبلد وصياغة سياساته وإملاء قراراته بطريقة فوقية مسقطة تتجاوز المؤسسات التي يظل دورها أقرب إلى الديكور الذي يضفي مسحة من “المدنية والديقراطية” على الدولة الثيوقراطية في الأساس.

ومما تضمّنه مشروع القانون إفساح المجال لترشيح رجال دين لعضوية الهيئة القضائية للمحكمة ما يعني منح سلطة فعلية لهؤلاء في عملية صياغة القوانين ومطابقتها مع الشريعة الإسلامية وفق قراءاتهم التي لا يمكن لها إلاّ أن تكون متأثرة بمشاربهم وانتماءاتهم بما في ذلك الطائفية منها.

والمحكمة الاتحادية هي أعلى سلطة للفصل في النزاعات بين السلطات التنفيذية، كما أنها تحتكر حق تفسير النصوص الدستورية الخلافية، لذلك توصف بأنها “الحارس الأخير” للدستور.

كما رأى البعض أنّ من شأن إقرار هذا القانون أن يفتح فصلا جديدا من التمييز بين العراقيين على أساس ديني وطائفي، وهو الدافع الذي حدا برئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس ساكو لتوجيه رسالة إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، داعيا إياه إلى إيقاف مناقشة مشروع قانون المحكمة العليا. وقال في رسالته “لقد فوجئنا بمشروع قُدِّمَ لمجلس النواب لإعطاء صبغة دينية للمحكمة الاتحادية العليا، بتعيين خبراء لها في الشريعة الإسلامية، ممن يرشّحهم ديوان الوقف الشيعي والسني، في حين تم إقصاء ديوان أوقاف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية”.

وتجاوزت الأصداء السيئة للقانون المقترح من حزب الفضيلة حدود العراق إلى خارجه حيث كتبت نينا شيا من معهد هدسون أنّ من شأن ذلك القانون “أن يربط العراق بالحكم الثيوقراطي لجارته إيران ويقوّض ديمقراطيته الهشة ويعرّض الحرية الدينية وغيرها من الحقوق الأساسية للخطر”.

ولفتت ذات الباحثة المتخصّصة في حقوق الإنسان والدفاع عن الحرّيات الدينية إلى أن القضاة الإسلاميين سيحصلون بمقتضى ذلك القانون على سلطات معززة لاستخدام حق النقض ضد القوانين التي يرون أنها تتعارض مع الإسلام، أي القوانين التي أقرها البرلمان المنتخب.

وكانت نتيجة الاعتراضات الشديدة أن فشل اليعقوبي وحزبه في تمرير مشروع القانون إلاّ أنه ترك انطباعا واضحا على رغبته في استنساخ نموذج ولاية الفقيه في إيران.

برنامج للاعتداء على حقوق الطفل
برنامج للاعتداء على حقوق الطفل

وبرغم أن وجود صور رجال الدين يعد أمرا طبيعيا في شوارع العاصمة العراقية، إلا أن صورة اليعقوبي تقع في حي عرف بانفتاحه وعصريته، حيث النساء السافرات يقدن أحدث السيارات، فيما تستضيف المطاعم الفاخرة العائلات الميسورة في مساحات مختلطة ما يشكل مفارقة لافتة.

لكن المفارقة تتعمق كثيرا، عندما تركز النظر في موقع صورة اليعقوبي لتكتشف أنه مشروع جامع كبير انطلق بناؤه في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وسقط قبل أن يكتمل، فجاء حزب الفضيلة الإسلامي برعاية اليعقوبي بعد 2003 واستولى على موقع المبنى محوّلا إياه إلى مجمع استثماري ذي طابع رث وسط حي يعج بكل أشكال الحداثة.

واليعقوبي هو أحد أعضاء حلقة العلم التي كان يعقدها المرجع الشهير محمد صادق الصدر، والد الزعيم الحالي للتيار الصدري مقتدى الصدر.

ورغم ما يبدو أنه نوع من التقارب بين الفضيلة والتيار الصدري إلا أنهما لا يطيقان بعضهما البعض، فالأول اختار الدخول في الحضيرة الإيرانية على مستوى التوجهات السياسية والأهداف، فيما يواصل الثاني التمسك بمحليته ومحاولة إيجاد مساحة خاصة به داخل الفضاءين الشيعي والوطني، حيث لم ينجح زعيمه مقتدى في كسب ثقة إيران خصوصا وأنّه سبق له أن خاض معارك سياسية ومواجهات مسلّحة ضد بعض أتباعها الأوفياء في العراق مثل زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي، وقائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي المنشقّ أصلا عن التيار الصدري.

ويشيع في الكواليس السياسية أن الفضيلة حزب الوزارة الواحدة لم يكن ليستطيع التماسك والبقاء لولا الرغبة الإيرانية في إبقائه حيا لموازنة الجموح الصدري أحيانا أو لتفجير بالونات من قبيل قانون الأحوال الشخصية لقياس مدى تقبل الجمهور الشيعي لأطر تنسجم ونظرية ولاية الفقيه.

ولولا الدعم الإيراني لما سمحت بقية الأحزاب الشيعية للفضيلة بلعب أي دور سياسي أو الحصول على مقاعد في البرلمان أو الحكومة.

وعندما حاول الحزب الاستثمار في غضب الجمهور خلال احتجاجات أكتوبر من العام 2019، قررت الأحزاب الشيعية الكبيرة محاصرته وفتحت عليه جبهة جامع الرحمن في المنصور، إذ تقدم الوقف الشيعي بشكوى ضده تؤكد استغلاله الموقع خارج سياق القانون.

ورغم أنّ الانتفاضة كانت موجّهة بشكل واضح ضد نظام الأحزاب الدينية، ورُفعت خلالها شعارات مضادّة لزعماء تلك الأحزاب ولإيران نفسها، فقد حاول اليعقوبي ركوب موجتها واستمالة الشباب المشاركين فيها عبر بيان وصف فيه الانتفاضة بـ”نهضة الشباب الواعي الغيور”، وبأنها “انتفاضة التحرير لاستعادة الهوية الوطنية التي سلبها الطائفيون والفاسدون والعملاء”.

أبرز ما في رصيد حزب الفضيلة مشروع قانون يتعلق بتزويج الفتيات في سن التاسعة، وآخر يتعلق بمنح رجال دين العضوية في المحكمة الدستورية

كما حاول نسبة ما رفع من شعارات خلال الاحتجاجات العارمة لنفسه قائلا في بيانه “هذا ما كنتُ أنادي به منذ عام 2005 حينما استبان فساد وظلم الأحزاب السياسية المتسلطة، وكنت أدعو إلى يقظة الأمة ووعيها لمطالبها الحقيقية ومكامن الخلل في قيادتها”.

ولم يوفّر في بيانه محاولة المزايدة على الحكومة التي كان يقودها آنذاك عادل عبدالمهدي داعيا إياها لـ”أن تعي أن هؤلاء الشباب هم الثروة الحقيقية للبلد وهم من يضمن مستقبلا زاهرا له”، وأنّ “الإصرار على سياسة القمع واستعمال العنف لا يجدي نفعا بل يجرّ البلاد والعباد إلى الهاوية”، وإنه لا يمكن “هزيمة شباب يُقدمون على الموت ويتلقون الرصاص بصدور عارية”.

وبسبب محاولة اليعقوبي القفز من مركب الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق، استخدمت تلك الأحزاب الوقف الشيعي في معاقبته، حيث دام الاشتباك بين حزب الفضيلة والوقف أسابيع عدة وانتهى بقرار قضائي ينص على تغريم الفضيلة نحو 300 مليون دولار جراء إشغاله جامع الرحمن الذي تحولت ساحاته الكبيرة بعد الاستيلاء عليه إلى مرآب لوقوف السيارات، فيما تحوّل جزء من بناياته العملاقة إلى مساكن عشوائية لعوائل مرتبطة بالفضيلة ومكاتب حزبية لمتابعة العمل السياسي.

وبعد خسارته وزارة العدل في حكومة الكاظمي صار جامع الرحمن المورد المالي الوحيد للحزب تقريبا إذ يتقاضى نحو 4 دولارات عن وقوف كل سيارة في ساحاته الكبيرة.

وبسبب وقوع الجامع في أرقى مناطق بغداد وأهمها على المستوى التجاري، تستقبل ساحاته نحو ثلاثة آلاف سيارة خلال ساعات اليوم الواحد، ما يعني أن مدخول الفضيلة من المرآب قد يتجاوز الثلاثمئة ألف دولار شهريا.

وعندما حاول الوقف الشيعي تفعيل قرار الغرامة والإخلاء، حرك حزب الفضيلة العاملين في مرآب الجامع وسكان المنازل العشوائية فيه، فضلا عن أعضائه وموظفيه لتنظيم تظاهرة في المنصور تسببت في شل المنطقة التي يغلب السنّة على سكانها.

وصور هذا الاشتباك حجم التمدد في مساحة الجماعات التي تعمل تحت غطاء ديني داخل التجمعات السكنية ذات الطابع المدني، إذ يحاول حزب الفضيلة الاستيلاء على حي المنصور الراقي في جانب الكرخ السني من بغداد مستنسخا تجربة التيار الصدري الذي استولى على أحياء زيونة وفلسطين والربيعي في جانب الرصافة الشيعي.

ويقول خبراء في شؤون الجماعات الشيعية، إن حزب الفضيلة الإسلامي، من بين القوى الشيعية المهددة بخسارة حضورها السياسي خلال المرحلة المقبلة، بسبب تنامي وعي السكان الشيعة خلال احتجاجات أكتوبر ضد هيمنة الأحزاب الإسلامية، ما يوحي بإمكانية أفول مرجعية اليعقوبي.

المصدر: العرب اللندنية

شاهد أيضاً

المضائق شرايين التجارة الدولية… ممرات آمنة حينا وأدوات نزاع أحيانا

بقلم: مصطفى رستم- اندبندنتالشرق اليوم– لم يعد المضيق مجرد ممر يصل بين مسطحين مائيين وحسب، …