الرئيسية / الرئيسية / مهازل الخضراء في استقبال الرؤساء

مهازل الخضراء في استقبال الرؤساء

بقلم: د. باهرة الشيخلي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي لبغداد، أثبتت لمن لم يقتنع، بعد، أن النظام السياسي، الذي يحكم بغداد حاليّا، بكل تناقضاته وفوضويته، لا بد أن تكون مخرجاته سياسة خارجية مضطربة وغير موجهة، لا تستطيع أن تمثل وجهة نظر حكومة مستقرة لها سيادة على قرارها السياسي الخارجي، فضلا عن سيادتها على قرارها الداخلي، والأنكى من ذلك أن هذا النظام لم يحسن أبسط قواعد البروتوكول في استقبال ضيف كبير، على الرغم من أنه جاء، بعد 99 عاما من بناء الدولة الحديثة في العراق، بما امتلكت من خبرات وقواعد ومعايير وضوابط دقيقة وصارمة.

كان ما جرى في استقبال الرئيس الفرنسي ببغداد مهزلة فجميع من في الرئاسات المتناحرة الثلاث يعلم أن الضيف الفرنسي لن يمكث في بغداد أكثر من 4 ساعات، فما معنى أن تشكل رئاسة الجمهورية حرس شرف وتشكل رئاسة الوزراء حرس شرف آخر، وكلها في مكان واحد؟ ويجري استقبال خاص في مجلس النواب.. ثلاث سلطات تحكم العراق بمنتهى الفوضوية والتخبط وكأنَّ العراق صومال آخر لا يحسن تنظيم البروتوكول؟

وكانت مهزلة أخرى عدم وجود ميكرفون وغياب المترجم، الذي كان قمة الإهمال والتسيب واللامبالاة، كما لاحظ الجميع أن أرضية القصر محفورة بفعل القصف الأميركي، أيام الغزو قبل 17 سنة، ولم يرممها الحكام الجدد، كما يبدو، وكذلك وساخة السجادة الحمراء، التي سار عليها الضيف الكبير، والبدلة غير المكوية والرباط والقميص وغطاء الرأس غير النظاميين لرئيس حرس الشرف، الذي كان يمثل الجيش العراقي ويستقبل رئيس فرنسا بلد الأناقة والجمال، والمهزلة الأدهى أن رئيس الجمهورية برهم صالح أخطأ في تلفظ اسم ضيفه الكبير فسماه ماركون بدل ماكرون.

هذه المهازل تركت، بالتأكيد، انطباعا سيئا لدى الضيف الفرنسي ومن معه والإعلام الفرنسي، بل والعالم كله، الذي كان يتابع المراسيم المملة، التي حشروا فيها امرأة برتبة نقيب تحمل السيف ليثبتوا لماكرون أنهم يحترمون حقوق المرأة.

تكررت هذه الأخطاء القاتلة، بعد 17 سنة من التدريب المتواصل، الذي قدّمته أجهزة الأمم المتحدّة ومعظم دول العالم، وبعد إنفاق مئات الملايين من الدولارات على شركات العلاقات العامة والمستشارين وخبراء الإتيكيت.

تآكل الدولة بدأ منذ سنة 2003 وخلال الـ17 سنة لم يبق اللصوص حجرا على حجر. فالتدمير متواصل والتخريب مستمر امتد إلى بنية الدولة كلها ولم تنج منه وزارة ولا مؤسسة

الواقع، إن هذه الأخطاء القاتلة لم تكن مسؤولية رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء، وإنما هي مسؤولية مدير مكتب رئيس الجمهورية ومدير التشريفات اللذين يهيئ كل منهما الترتيبات اللازمة لاستقبال الضيف وترتيب كل ما يتعلق بالمؤتمر الصحافي، وخصوصا وجود المترجم، الذي ينبغي أن يرافق رئيس الجمهورية من أول وصول ماكرون حتى مغادرته، وإذا كان مدير مكتب الرئيس حديثا على المهمة المناطة به، إلا أن مدير مراسمه تحسين عينا فيلي، قديم وعمل لسنوات طوال، قبل الاحتلال، في دائرة المراسم كما عمل طويلا في سفارة العراق في عمان، بعد الاحتلال.

بدأ تآكل الدولة، منذ التاسع من أبريل سنة 2003، وخلال الـ17 سنة الماضية، لم يبق اللصوص حجرا على حجر فيها، فالتدمير متواصل والتخريب مستمر، امتد إلى بنية الدولة كلها بحيث لم تنج منه وزارة ولا مؤسسة من مؤسساتها.

يتربع على قيادة الخارجية في العراق أشخاص لا يحسنون حتى ألف باء البروتوكول، فمن يهيمن على الدولة هم الفاسدون، فيما أصبح معظم التقنيين وأصحاب الاختصاص في خبر الاجتثاث، ولم يعد للدولة سوى اسمها المجرد.

بات العراق، بعد 17 سنة من تحكم الأحزاب الجاهلة وميليشياتها المسلحة، مثالا للدولة الفاشلة، التي لا تكترث بقانون ولا تعمل وفق سياقات إدارية صحيحة، وفي ظل الفوضى، التي تسود معظم مفاصل الدولة والخراب، الذي ألحقه الجهلاء بمؤسساتها، بما فيها وزارة الخارجية، التي غابت فيها وعنها القواعد الدبلوماسية والتقاليد البروتوكولية، ولذلك فإن ما حدث من فضائح أثناء كلمة استقبال الضيف الفرنسي ومراسيمه يعكس، بالضرورة، غياب السياقات المعتمدة في دول العالم كافة، بعبارة أخرى عندما تصبح الدولة رهينة قطاع الطرق من اللصوص والميليشيات فإن أي حديث عن الضبط والنظام يصبح حديث خرافة وفشل.

خلاصة القول إن الإتيكيت فن يكتسب بالتأهيل والتدريب، شأنه في هذا شأن معارف كثيرة، وليس تصرفا يكتسبه الإنسان بالفطرة كالنطق أو المشي مثلا، ولكن هل يفقه مستوطنو الخضراء ذلك؟

شاهد أيضاً

محسن المندلاوي يشارك في تشييع الرئيس الإيراني الراحل

الشرق اليوم– شارك رئيس مجلس النواب بالنيابة، محسن المندلاوي، في مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل …