الرئيسية / الرئيسية / احتلال العراق 2003: تدجين وليس تحرير

احتلال العراق 2003: تدجين وليس تحرير

بقلم : نوفل آل صياح الحمداني

الشرق اليوم- تُعرف الشخصية المُطيعة بشكل عام بأنها شخصية موالية للشخص المُطاع بالمُطلَق، وهي شخصية ارتكاسية انهزامية في الأغلب تعظم الولاء بعد الطاعة كقيمة مجتمعية إنسانية وتقدّمه بشكل تلقائي يرفض بعده الفرد أي بديل للأفكار أو الأشخاص بانحياز شَرس لا يقبل فيه أي دعوة لفِكر جديد حيث لا بَديل لديه لأي شيء فكرة كانت أم شخص، حتى في العلاقات الإجتماعية أو في القضايا الشخصية نجد الفرد مكبلاً يقاوم التغيير وبدء حياة بفِكر جديد يتطلع الى مستقبل افضل .

حينما احتلت امريكا العراق عام 2003 وبمساندة من مجاميع لهم مقاصد سلطوية ومادية فلم يكن الاحتلال هو تحرير العراق بل هو بناء الشخصية المطيعة الموالية للسلطة الجديدة وتدجينها وهنا لا بد من تأكيد هذه المسألة وقولبتها بمسارها الاجتماعي والديني .

وعندما فرض المحتل من يتولى قيادة  حكومة العراق من السلطات السياسية  وبمساندة الاحزاب الدينية الجديدة ظهرت للعيان ثقافة من نوع جديد هي  ثقافة الخضوع والاذلال والطاعة والولاء الاعمى التى تشربتها هذه المجاميع السلطوية السياسية والدينية عندما كانت  تعيش في دول الغرب حالة الاغتراب. وهذه الثقافة عملت على تطويق كل شيء في المجتمع العراقي ضمن أطر وقوالب جامدة تدخل في خدمة السلطة الحاكمة وبأساليب القمع الممنهج والتخويف والترهيب. وعندما اعتلت هذه المجاميع المناصب السلطوية واستحوذت على المؤسسات الحكومية والاجتماعية اختارت قيمة الطاعة من بين القيم الثقافية التي تغرسها في نفوس العراقيين باعتبارها قيمة اخلاقية وضرورة إيديولوجية تجسد علاقة الإنسان بالإنسان، والإنسان بالنظام السياسي وبالسلطة الدينية بكل تجاوزاتهم، حيث تعتبر الطاعة هي الحالة المثالية والحل الاصلح لنجاح هذه العلاقات ووسيلة للسيطرة على الافراد والتي ترى في الفِكر الناقد بانه فكر هدام ينم عن روح  سلبية وأهداف مَشبوهة بحجة التغيير المنشود  .

ولكي تبجل الطاعة فلا بد من فرض الرقابة الإجتماعية والدينية والسياسية وتحريم النقد بحرية حينها يزداد التشدُّد والتطرّف بالآراء والإنحياز لشخص أو لفِكرة او لممارسة ما سواء كانت إجتماعية أو سياسية أو دينية، لتتحول لمنظومة مُتكاملة أقرب ما تكون بين ثقافة العصا أو الترهيب المُمارس بقمع اقتصادي وفكري حيث يُحرَم الفرد المواطن من كل شيء ضروري لاستمرار حياته ليكون آلة قابلة للبَرمجة والعيش في روتين لا أُفُق للمستقبل فيه. وبالتالي تحول المواطن العراقي بدوره لقامع ذاتي لنفسه وأفكاره التي تمنحه الخوف لمجرد فكرة التأمل في الواقع المرير من حوله بفعل  القمع والكبت والإرهاب وإدانته.

وبالنتيجة تعود  الناس عبر سنوات الاحتلال المريرة ومنذ أكثر من ١٦عاماً عجاف صفة التطرف في تأليه الأشخاص وتقديسهم وكذلك تمجيد العادات والممارسات السلوكية حتى وإن كانت مشينة خوفاً من العقاب من جهة، ووسيلة لكسب رضا الأشخاص المتسلطين من جهة أخرى وضمانة للعيش بأقل الخسائر، فيقوم المواطن  بنبذ أي فكرة تُعارِض تصوّراتهم وتحيدهم عن الطاعة ، بل ويعتبرها البعض مُوَجَّهة شخصياً لهم وطعناً في وَلائِهم للنموذج السلطوي الشمولي سواء السياسي أو الديني . وفي النتيجة أصبح المواطن القليل الوعي والإدراك يتصرف وفق فكر مدجن وهو فكر منحاز وقاصر وفاقد للقدرة على  النقد والمعارضة والاحتواء والانفتاح على الأخر وأي نهج أو ملمح جديد للتغيير. وهذا هو النموذج الجديد في العراق بعد الاحتلال والذي يخدم الحكومات المتعاقبة ونظامها السياسي الفوضوي في المؤسسات الحكومية والدينية وبهذا الفكر المدجن يساهم الفرد بشكل مباشر باستمرار تسلط هذه الجماعات الحاكمة وفرض إرادتها على إرادة الشعب وممارستها دور الشرطي والرقيب الدائم على أي تغيير ملحوظ في فكر وسلوك الفرد اذا تعارض مع مخططاتها وأهدافها التسلطية .

إذاً فإن إقدام الولايات المتحدة على احتلال العراق وبمساندة الجماعات ذات الاغراض السلطوية والنفوس الشرهة والعقول المريضة ليس لاجل ازاحة نظام سياسي فقط بل لاجل تدجين فكري وتطويع نفسي للشعب وخاصة فئة الجهلة واصحاب النفوس الدنيئة والعقول البليدة لتحقيق استراتيجية عدوانية بعيدة المدى .

ونسوا أن العراق غير الذي وصفه لهم أعوانهم

والمتعاونين معهم

نسوا أنه جينات فاعلة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين.

حفظ الله العراق وشعبه

والخزي والعار لكل من باع أهله وشعبه

لمجد شخصي أو حزبي .

شاهد أيضاً

من هم المسيحيّون؟ رحلة عبر الطّوائف والانقسامات

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– “المسيحي”، بأسط التعريفات، هو أي شخص يؤمن بأن يسوع …