الرئيسية / الرئيسية / الحوار الأمريكي العراقي ما له وما عليه

الحوار الأمريكي العراقي ما له وما عليه

بقلم: صادق الطائي

الشرق اليوم– ربما اعتبر بعض المراقبين الحوار الأمريكي العراقي الذي انطلق يوم الأربعاء 10 حزيران/يونيو الجاري المفتتح الرسمي لعمر حكومة مصطفى الكاظمي، إذ يرى هؤلاء المراقبين، أن الحوار يمثل تعميدا واعترافا ومساندة من القوة العالمية الأقوى لحكومة الكاظمي وهي تحاول أن تخطو أولى خطواتها في طريقها المليء بالألغام.

الكتل السياسية العراقية، بأطيافها المختلفة، قربا أو بعدا عن إيران، أو الولايات المتحدة الأمريكية، كانت لها مواقف متباينة من جولة الحوارات الأمريكية العراقية، على الرغم من أن الكاظمي كان قد حظي بقبول لافت من الجميع، بالإضافة إلى أن الاتفاق على جولات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، كانت قد أقرت إبان حكومة عادل عبد المهدي، قبل تسنم الكاظمي رئاسة الحكومة، إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في إبريل/ نيسان الماضي، أن بلاده اقترحت حوارا استراتيجيا مع الحكومة العراقية، يعقد في حزيران /يونيو، وشدد في مؤتمر صحافي على أهمية أن يتعاون البلدان، كي لا تذهب الانتصارات على تنظيم «داعش» الإرهابي، والجهود التي بذلت لاستقرار البلاد، سدى في ظل انتشار وباء كورونا، وتراجع إيرادات النفط.

وقد رأت الكتل السياسية القريبة من واشنطن، أن الحوار يمثل فرصة ذهبية لاستعادة ثقة الإدارة الامريكية، وتفعيل جوانب مهملة من الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعها نوري المالكي مع جورج بوش الابن عام 2008. ورفعوا أصواتهم مطالبين الوفد العراقي بالتركيز على جوانب محددة من أزمات العراق، وتحديدا في قطاع الاقتصاد مثل؛ ملفات النفط والطاقة والاستثمار وحملة الإعمار، وغضوا بصرهم عن ملفات أمنية وعسكرية مثل، التواجد العسكري الأمريكي في العراق، وتحديد طبيعة هذا التواجد، والوضع القانوني للقواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية. بينما مثلت هذه الملفات الهم الأساس والشاغل المحوري للكتل السياسية المقربة من إيران. وبالنظر إلى مستوى التمثيل في فريقي الحوار بين البلدين، يمكننا أن نشير إلى أن الجولة الأولى التي تمت كانت مجرد تمهيد أو فاتحة لجولات مقبلة، ربما سيكون فيها التمثيل أهم وبمستوى أعلى، وقد أكد البيان الرسمي لوزارة الخارجية العراقية الصادر يوم الجمعة 12 يونيو، على أن «هذه الجلسة ستكون بداية لسلسلة جلسات أخرى للحوار الاستراتيجي، على أمل أن تعقَد الجلسة المقبلة بشكل مباشر في واشنطن عند توافر الظروف المناسبة».

وقد ضم الفريق العراقي خمسة مفاوضين، هم رئيس الفريق العراقي الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية عبد الكريم هاشم مصطفى، بالإضافة إلى المستشار الدكتور حارث حسن، والمستشار الدكتور لقمان الفيلي، وسفير العراق في واشنطن فريد ياسين، ووكيل وزارة التعليم العالي حامد خلف، علما أن ترشيح أسماء هذا الفريق كان قد تم في وقت سابق من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.

أما الفريق الأمريكي فترأسه ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالعلاقات السياسية، وضم كلا من السفير الأمريكي في العراق ماثيو تولر، وجوي هود النائب الأول لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وديفيد كوبلي نائب مساعد وزير شؤون العراق في مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية، وفرانسيس فانون مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة. وقد سربت الصحافة العراقية بعض آراء السياسيين العراقيين، مثل وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، الذي بدا غير مرتاح لتشكيلة الفريق العراقي، إذ نشر تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها «فريق التفاوض الأمريكي أقوى بكثير، وأكثر مهنية من زملائنا في الفريق العراقي، يجب معالجة هذا التفاوت، ويجب أن يكون له التكافؤ نفسه، وهذه مسألة تفاوضية خطيرة للغاية».
من جانب آخر تداولت جهات إعلامية تهديدات أطلقتها بعض الميليشات المقربة لطهران بشأن الوفد العراقي، قبيل انطلاق الحوار الأمريكي العراقي، فقد طالب القيادي في كتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، في تغريدة على حسابه في تويتر، باستبدال ثلاثة أعضاء من الفريق العراقي الذي سيمثل العراق في الحوار الاستراتيجي مع الطرف الامريكي، وطالب بأن يضم الفريق العراقي قياديا من مليشيات الحشد الشعبي، وشخصية عشائرية، بالإضافة إلى إعلامي مستقل بصفة مراقب. وقد ربط مراقبون هذه التصريحات بزيارة الجنرال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني إلى العراق، قبل بدء الحوار الأمريكي العراقي بأسبوع، إذ أفادت تسريبات صحافية، بأن قاآني مارس ضغوطا على الحكومة العراقية، مطالبا اياها بأن يكون الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق أول وأبرز المطالب التي يجب أن يطرحها الفريق العراقي خلال الحوار.

ما رشح عن الجلسة الأولى للحوار هو، تصريح رسمي من فريقي الحوار وصف النتائج بـ «الإيجابية»، وقد أكد الجانب الأمريكي على احترام سيادة العراق، ووحدة أراضيه، والقرارات ذات الصلة الصادرة عن السلطات التشريعية والتنفيذية في العراق. مع التأكيد على التعاون الأمني والاستراتيجي في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، أما في ما يخص الشراكة الأمنية، فقد أقر الفريقان بأنه في ضوء التقدم الذي حصل في الحرب على الإرهاب، ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد القوات المتواجدة في العراق، والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية، إذ يتجه تركيز البلدين صوب تطوير علاقة أمنية طبيعية تقوم على المصالح المشتركة. وتظهر في هذه النقطة رسائل تطمين واضحة للكتل السياسية القريبة من إلإيران، التي كانت قلقة بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق، لكن وفي الوقت نفسه، فإن تصريح الفريق الأمريكي، لا يعني إشارة واضحة لسحب كل القوات الامريكية من العراق، إذ تطالب الكتل السنية والكردية من جهتها، بإبقاء القوات الأمريكية في قواعد عراقية في مناطقها مثل، قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في اربيل. كما أكد الفريق الأمريكي على عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بإقامة قواعد دائمة أو تواجد عسكري دائمي في العراق، وهذا أمر مقر مسبقاً في اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعام 2008، وتم التأكيد على أن يتم التعامل بين البلدين على أسس التعاون الأمني، الذي يتم وفق الاتفاقات المتبادلة، كما حصل إبان هجوم «داعش» في حزيران 2014 حينما طلبت حكومة المالكي مساعدة التحالف الدولي في قتال «داعش»، ومن ثم تأكيد الطلب من حكومة العبادي، وهذا ما تم تنسيقه بالتعاون بين القوات المسلحة العراقية، وقوات التحالف بعد ذلك في الحرب على «داعش».

من جانبه جدد الفريق العراقي المحاور التزام حكومة العراق بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفهم، بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات، وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين.

أما على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العراق، والتي تقف إزاءها حكومة الكاظمي عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة، نتيجة تداعيات أزمة جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية العالمية المرتبطة بهبوط أسعار النفط عالميا، فقد بحث الفريقان العراقي والأمريكي إمكانية تزويد العراق بالمستشارين الاقتصاديين للعمل بشكل مباشر مع حكومة الكاظمي، من أجل المساعدة في تعزيز مستوى الدعم الدولي لجهود حكومة العراق الإصلاحية، ويشمل ذلك تنظيم إمكانيات الدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية مثل، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في ما يخص الخطط الجدية لتشريع إصلاحات اقتصادية جوهرية. كما ناقش فريقا الحوار، مشاريع الاستثمار المحتملة التي يمكن أن تدخل فيها الشركات الأمريكية والعالمية، وبشكل خاص في قطاع الطاقة والمجالات الأخرى، شريطة أن توفر حكومة الكاظمي الظروف المؤاتية لإنجاح عمل الشركات العالمية.

كما تعهد الفريق الأمريكي بإعادة الأرشيف العراقي الخاص بحقبة البعث، والارشيف اليهودي العراقي، وما يشمله ذلك من قطع أثرية، تم نقلها إلى جامعة ستانفورد بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، على أن يتم التنسيق والتعاون بين الجامعات الامريكية والجامعات العراقية لتطوير العمل في هذا القطاع. ويبقى المواطن العراقي يترقب رؤية نتائج الحوار الاستراتيجي كمخرجات ملموسة على أرض الواقع، ليلمس أهمية ما وصل اليه المتحاورون.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …