الرئيسية / الرئيسية / العبادة والافتراء عليها

العبادة والافتراء عليها

بقلم: نوفل آل صياح الحمداني

الشرق اليوم- المواطن العراقي ومن مختلف الأديان ومنذ نشأة دولة العراق يعيش في كنف عائلة ملتزمة دينياً تعتبر العبادة عادة وسنة حياته فهو يتطبع بها ويكتسبها من أفراد أسرته الرئيسية والثانوية من خلال ممارسة طقوسهم الدينية ويعتبر كبارهم هم معلميه وقدوته في هذه الطقوس .

والمجتمع العراقي عبر تأريخه يتشكل نسيجه الاجتماعي من أواصر متينة متداخلة اجتماعياً كالفسيفساء الجميلة التي تضمن استقراره المبني على معاني الصدق والإِخلاص فيما بين أبناءه والتعايش السلمي بين طوائفه ومذاهبه وقومياته وفئاته الطبقية.

وما يعاني منه المجتمع العراقي اليوم من تناقضات واشكاليات يرجع الى عقود سابقة من التاريخ وما حصل من اجحاف وظلم واقصاء وضرب الأعناق وإنزال أشد أنواع العقوبة بالأفراد.

وهذه التراكمات كلها رسمت لنا صورة الافتراء الذي نراه اليوم ليس على مستوى المجتمع بل على مستوى النظام السياسي كنظام اسلامي فالحاكم في عراق اليوم يحكم بنظام اسلامي سواء كان ديمقراطي أو علماني أو فيه من الليبرالية شيء والمدنية شيء لكنه نظام متذبذب ويدعي أنه إسلامي.

واليوم علينا أن نسمي الاشياء بمسمياتها فالدستور الذي وضعه رجل الاحتلال بريمر وايده  الكثير من السياسيين والكتل  والاحزاب هو في حقيقته دستور يهدف الى تمزيق اللحمة الاجتماعية للعراقيين ويفرق شملهم  .

فالعراق دولة تربط ابنائها روابط الدم والقرابة والانسجام والتآزر بدأً من العائلة الصغيرة الى العائلة الأكبر .

وكلما حاول أن يبتعد عن هذه المقومات لا يستطيع مطلقاً إذ أن العراق هو العراق وللعراق ،

وهذا يعني ان العراقي المغترب يتعاطف بسرعة مع أي عراقي يتعرف عليه في غربته ويقدم له المساعدة بغض النظر عن دينه أو قوميته أو مذهبه وهذه الصفة نادرة جدا بل تكاد تكون مفقودة بين ابناء الدول والمجتمعات الاخرى العربية منها والإسلامية والأجنبية.

فالعراق يختلف تماماً بامتلاكه هذه الميزة الربانية الخاصة التي ميزها الله تعالى به.

واليوم يعيش العراق في ظل نماذج وجدت في السلطة والمجتمع وهي تمارس أساليب الافتراء على الإسلام وتدعي أنها تمثل الإسلام العلوي الشريف المنزه، وكذلك تدعمها الكتل السنية التي ساعدت بإقامة وشرعنة هذا النظام وهي بعيدة عن السنة النبوية ومناهج الخلفاء ورموز الدين الحنيف والاولياء الصالحين.

والكرد أيضاً الذين يتكلمون كثيراً بانهم مع العراق ولكنهم يعملون في اعماقهم لأجل قوميتهم  رغم ان فيهم من القوميات والاديان والطوائف المختلفة لكن جمعتهم اللغة كميزة  تعكس تشبثهم بقوميتهم، بينما اذا تكلم العربي بقوميته نعت بأنه شوفيني  وهذه معضلة نفسية ترسخت في عقولهم وعبأت لسنين طوال .

اليوم لابد ان يثبت العراقي انه عراقي سواء كان عربي او غير عربي، وفي هذا المضمار نجد الكثير من النخب الواعية تعمل وتسعى من اجل ايصال الفكرة الكاملة لإقناع الناس بان يتكلموا ويتعاملوا بعراقيتهم فقط وان يتجاوزوا التكلم بنفس اثني او قومي او مذهبي.

فالعراق قد انهك بشدة من هذه التصنيفات السامة التي اتعبت جسده واصبح غير قادر على المقاومة فكفى اذلال للشعب يامن تدعون العراقية شكلا وتمارسون الافتراءات باطناً، فليس كل من صلى وصام وقام الليل هو مسلم حقيقي كلا، فالمسلم الحقيقي هو الذي يؤمن ويعمل بالعدل واحقاق الحق بين الناس وينشر السلام والتسامح والمساواة.

فيامن تدّعون الإسلام “كونوا زينين لنا ولا تكونوا شينيين علينا”، ولكن الحقيقة تشير أن اغلبية الموجودين أصبحوا “شينيين على المذهب العلوي الصادق”، هذا المذهب الذي يجسد أمامه أبا تراب الذي يغمره التراب ويجلس على التراب، هذا المنطق يجب أن يفهمه العقلاء والحكماء اصحاب الروح النقية أصحاب المنهج الخالي من شوائب التجهيل، وأن يكونوا على يقين أننا خلقنا من تراب ونحيا على تراب ونعود ليحتضننا التراب.

فقمة الاخلاق التواضع فهو ليس جبناً بل هو أرقى ما يتميز به الإنسان الفاضل المحب للخير كما هي دائما السنابل الممتلئة تنحني والفارغة هي التي تبقى شامخة لكن سرعان ما تنكسر امام أي ريح.

هنا لابد أن نبحث متى يكون العراقي عراقي حقيقي يمثل منبعه الأصيل وتاريخه العتيد ويعمل من أجل مصلحة عراقيته وإثبات وجوده في العراق. فبالرغم من التصنيفات التي يتسمى بها أفراد المجتمع عائلياً ومذهبياً وقومياً ودينياً وكما وردت ايضاً في الدستور،  فلا يجوز بل يجب أن نغادر التحدث بلغة الهويات الفرعية  وان نتمسك بلغة العراقي عراقي بكل ما تعنيه الكلمة من انتماء وانتساب وحب وتضحية وارتباط في العراق ارضاً وتاريخاً وحضارة .

وها هي الأيام قد اثبتت لنا حقيقة السياسيين بأجمعهم وبكل مسمياتهم وانتماءاتهم وهم يعيشون صراعات ونزاعات كتلوية وحزبية وطائفية لانهم يعطون اولوية لمذهبهم وطائفتهم وكتلتهم من اجل تحقيق مصالحهم متناسين العراق الذي آواهم واغناهم ومنحهم سلطة .

فليس من الخطأ ان تعمل الكتل السياسية على احتواء بعضها لبعض وعليه سيكون للشارع كلمته …

وعليه احتواء واحتضان الشارع الذي هو صاحب الامر والمشرع لكم.

وان الجميع ينتسبون الى ارض واحدة ويعيشون تحت سماء واحدة ويرتوون من مياه نهرين خالدين ضمن حدود وطن واحد يسمى العراق.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …