الرئيسية / الرئيسية / المرجعية العليا والعملية السياسية في العراق

المرجعية العليا والعملية السياسية في العراق

بقلم :نوفل آل صياح الحمداني

الشرق اليوم- عندما نستقرأ مواقف المرجعية الدينية العليا في العراق يتضح لنا أن مواقفها على مر تاريخ الدولة العراقية كانت ولا زالت مساندة للشعب وللدولة العراقية، ولم يُسجل عليها أنها تميل لأي جانب أو فئة أو مذهب خارج الحدود، أو أن تدعي أي من الحركات المشبوه كـ(ولاية الفقيه)، بل إنها كانت دوماً ضد تطلعات نظام (ولاية الفقيه) التبشيرية والعابرة للحدود.

منذ احتلال العراق عام 2003 شاع الفساد في جميع مرافق الحياة وتقاسم السلطة للأحزاب الموالية لإيران من أحزاب إسلامية شيعية ومعها الحزب الإسلامي الشريك الصامت أصحاب دعوة: (قاوموا الأمريكان بالدعاء عليهم)!

إن الجمهورية الاسلامية الايرانية، هدفها الأول والأساس هو تصدير الثورة الاسلامية ليس من اجل الانسانية وانصاف المظلومين واسناد صوت الحق، فهم بعيدون كل البعد عن الإنسانية وعن الاسلام ومبادئه العقائدية، لكن اتضح ان هدفهم اعادة الروح لقوميتهم (الفارسية) الضاربة في أعماق (خازاريا) ونشرها في العالم وليس في العراق فقط في  الذي اعتبروه ضيعة ايرانية لإعادة امجاد الامبراطورية الفارسية، ونتيجة لذلك تفاقمت معاناة الشعب العراقي بكافة طوائفه، لا بل اصبح نظام الحكم في العراق المرتبط بنظام ايران هو الذي يقف وراء هذه المعاناة ومازالت ولا تزال..

 منذ تولي السيد علي الحسيني السيستاني المرجعية العليا في العراق لم يمنعه موقعه من اتخاذ مواقف كبيرة ساهمت في حفظ العراق وإنقاذه من كثير من المهالك، لان السيد السيستاني  رجل يختلف حتى عن مقربيه في انسانيته وتواضعه ومصداقيته وحبه للعراق واهله، وانه من الخطأ الجسيم ان يحسب على اي طائفة او مذهب، فاليوم وفي ظل الواقع المرير الذي يعيشه العراق كان موقفه مسانداً للدولة العراقية الجديدة، وذلك من أجل بنائها على أسس ديمقراطية صحيحة، يتمتع فيها المواطن العراقي بغض النظر عن دينه ولغته بكافة الحقوق.

عند ازاحة النظام السابق من قبل الامريكان في عام 2003 اوعز السيد علي الحسيني السيستاني  الى الجميع بالتمسك باخلاق الاسلام وعدم الاعتداء على اي شخص الا اذا كان مجرم بحق الشعب العراقي، واكد على تقديم المتهم الى المحاكم المختصة، ولا يجوز الاساءة لأي شخص كبيراً كان او صغيراً، ولم يشهد العراق حينها اي حادثة اعتداء او قتل التزاماً بنصائح السيد السيستاني لعامين متتاليين، بل كانت له بصماته في إصراره على كتابة دستور بأيدٍ عراقية خالصة، وأن تجرى انتخابات تمثل جميع العراقيين، وان يؤسس في العراق نظام ديمقراطي أساسه احترام القانون، نعم لقد قامت الأحزاب المتسلطة بتسويف وحرف ما أراده السيد السيستاني لمصالحها الخاصة فقط، لكن السيستاني هدفه أبعد من ذلك، كان هدفه وضع القاطرة على السكة الصحيحة، ولا يهمه تعرضها لتوقفات هنا وهناك، ولا من يضع العصي في دواليبها، فلقد وضعها على سكتها الصحيحة، وبمجرد ان يصعدها ابناءها ستنطلق بمسارها الصحيح، وستكسر جميع العصي، ولن يوقفها صياح اللصوص خارجها، بل هي ستستحقهم فيما لو وقفوا أمامها، وهذا تحققت أول خطواتها في ثورة شباب العراق في تشرين 2019 وستتبع ذلك خطوات ستزيح الطبقة الفاسدة وإلى الأبد.

إن النظام في ايران لم يناسبهم هذا الوضع فحركوا وكلائهم ليثيروا اعمال الشغب والاعتداء بين شرائح وطوائف المجتمع العراقي، فتفاقمت الفوضى التي خططت لها ايران وقادها (الولائيون) لإيران، والذين كانوا يموهون انتمائهم الى ايران وينسبون ولائهم الى المرجعية العليا في العراق، ومن هنا ازداد الامر سوءً بعد ان استطاع نفر من خوارج العصر الحديث ان يعبر الحدود العراقية ليوقدوا نار الفتنة والطائفية البغيضة وخاصة في المناطق الغربية التي لم يعد شعبها يمتلك السلاح، اذ تم نزع السلاح من المنطقة تخوفاً من ان يقودوا انقلاباً تحت مايسمى بالموالين، كذلك ان اغلب الشباب تم اعتقالهم بحجج واهية وقسم آخر منهم غادر العراق هرباً من الظلم والتهديد الذي طال حتى اصحاب الشهادات العليا والكفاءات العلمية البعيدين كل البعد عن الارهاب والطائفية مفهوماً وممارسةً،  فهاجروا هرباً لينقذوا  انفسهم من القوات الامنية المتواجدة في المنطقة والتي كانت ترمي الاتهامات جزافاً على سكان المنطقة الغربية تنفيذا لأوامر سلطة  المنطقة الخضراء التي كان ولاء اغلب من فيها لحماية نفسه وتحقيق مآربه، ومنهم سياسيون ليسوا من مكون واحد، وكان نظام سلطة المنطقة الخضراء فاسداً رسمياً اذ اعتبر المحاصصة من اولويات سلطته الاتحادية، وفي ضوئها تم تقاسم المناصب والمكاسب.

بعد دخول داعش الظلام، والتي كانت مرتبطة باجندات خارجية،  وادعائه  دفاعه عن اهل السنة، بينما هو قد مارس قتل اهل السنة ومارس تجهيل العقول وتدمير المدن والبنى التحتية مستغلا عدم امتلاك الناس الاسلحة لمواجهته، وبسبب فساد سلطة الخضراء التي مكنتهم من العبث بالمنطقة كالجرذان مما ادى الى انسحاب ما يقارب ثلاث فرق مما اثار الكثير من علامات الاستفهام التي سببت سقوط العراق تحت رحمة داعش.

في هذا التوقيت الحرج جداً انطلقت فتوى (الجهاد الكفائي) التي لا علاقة لها بتأسس الحشد الشعبي والذي اسس من قبل بطانة ايران قبل اعلان الفتوى المباركة، اذ لا علاقة للحشد بهذه الفتوى، إذ اطلق السيد السيستاني مصطلح (المتطوعون) على من لبى فتوى (الجهاد الكفائي)، لكنه لم يعترض حتى عندما تم مصادرة المصطلح ليؤطر بإطار آخر، فالسيد السيستاني هدفه هو تحرير العراق، وليس هدفه المنافسة مع أحد اطلاقاً. فهبت جموع شباب الجهاد الكفائي من وسط وجنوب العراق وشباب المناطق الغربية من تجمعات عشائرية، وبصورة لم يشهد لها مثيل في القرن الحادي والعشرين للتصدي لداعش ودفع الشر عن المناطق التي سيطر عليها.

مازالت المرجعية الرشيدة تقدم النصائح الى الطبقة السياسية، ومساندة الشعب المظلوم وشبابه المنتفض في ساحات التظاهر، واعتبرت ان كل شاب متظاهر انما يمثل عائلة عراقية وعندما انطلقت تظاهراتهم ليس من اجل لقمة العيش بل من اجل استرداد الوطن من قبضة الغرباء، لذلك سمتهم المرجعية بـ(الأعزاء)، و(الأحباب)، واطلقت على من قتل منهم (شهداء)، وان مطالبهم (حقة)، ونهرت من يعارض هذه المطالب الحقة بأكثر من خطبة، وحذرت من تسويف المطالب من قبل الطبقة الحاكمة حتى لا يصل بهم الحال إلى مرحلة (ولات حين مندم). فالعراقي وبفعله وانتماءه الحقيقي للوطن وليس بنسبه العائلي أو المذهبي أو المناطقي فقط.

إن المرجعية العليا التي تمثل الشعب اوضحت ان إقالة عادل عبد المهدي ـ الذي خسر نفسه  ومازال يخسر لعدم الاستجابة لنصائح المرجعية العليا ـ انما  كان بسبب ضغوط الشباب المتظاهر الباحث عن وطن. فالمعضلة السياسية  التي يعيشها العراق ليس بالكتل الشيعية وعدم قدرتها في ايجاد البديل فقط بل في عدم وجود شخص مناسب يحقق مطالب المنتفضين، وفي هذا الشأن قد اوصلت المرجعية العديد من الرسائل الى الكتل ومنها: (المجرب لا يجرب)، لكن السياسيين المنتفعين لم يأخذوا برسائلها.

اليوم المرجعية العليا في العراق مع الشعب والشعب معها، لان ذلك هو حالة انسانية عامة وعراقية خالصة، وان الشعب العراقي بأجمعه الا القلة القليلة ممن لديه الولاء لولاية الفقيه يعتبرون المرجعية العليا في العراق سندهم في مظالمهم بموافقتها الواضحة على مطالبهم برفع الظلم عنهم واعادة وطنهم مستقراً وآمناً، وعلى من يستخدم اسلوب الهجوم على المرجعية العليا في العراق ويحاول ربطها بنظام ايران نقول له بأنه يخدم مشروع ايران التوسعي (الفارسي) الكبير.

إن نظام داعش الارهابي لا يختلف عن نظام ولاية الفقيه، فالاثنان يحملان عقيدة التبشير لمشاريعهما  اللانسانية واللادينية في حقيقتها، وان الإسلام عندهما ليس من الأولويات مطلقاً وهذه بعينها سياسة الطغاة والفراعنة وكل من لا يؤمن بان البشر سواسية كأسنان المشط وان الجميع لآدم وآدم من تراب.

شاهد أيضاً

السوداني يستقبل في واشنطن وفد إدارة بنك جي بي مورغان

الشرق اليوم– استقبل رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مساء أمس الأربعاء، في مقرّ …