الرئيسية / الرئيسية / حوار استراتيجي: صياغة استراتيجية أمريكية لـ “أشباح” العراق

حوار استراتيجي: صياغة استراتيجية أمريكية لـ “أشباح” العراق

إعداد: أنتوني هـ. كوردسمان بمساعدة غريس هوانغ

الشرق اليوم- أعلن وزير الخارجية بومبيو في 7 أبريل 2020 أن الولايات المتحدة ستُجري حواراً استراتيجياً مع الحكومة العراقية في منتصف يونيو 2020:

مع اندلاع جائحة كوفيد 19 العالمية، وانهيار عائدات النفط الذي يهدد الاقتصاد العراقي، فإنه من المهم أن تعمل حكومتانا معاً لوقف حدوث تغيّر عكسي في المكاسب التي حققناها من خلال جهودنا لهزيمة تنظيم داعش وتحقيق الاستقرار في البلاد. وستكون جميع القضايا الاستراتيجية بين بلدينا مطروحة على جدول الأعمال، بما في ذلك الوجود المستقبلي لقوات الولايات المتحدة في ذلك البلد، وأفضل السبل لدعم عراقٍ مستقلٍّ يتمتع بالسيادة.

وأوضح الوزير بومبيو أن الولايات المتحدة ستضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في العراق، من حيث الضغط المتزايد من إيران وقوات الحشد الشعبي العراقية على وجود القوات الأمريكية في العراق، وكذلك من حيث تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العراقي، وعدم وجود وحدة سياسية واضحة في العراق. وصرّح أن الولايات المتحدة ستدعم أي نظام عراقي “يبتعد عن النموذج الطائفي القديم الذي انتهى به المطاف إلى الإرهاب والفساد”.

ويُعدّ تحديد مثل هذه الأهداف للحوار الاستراتيجي خطوة حاسمة نحو تكوين شكل من أشكال العلاقة الدائمة بين الولايات المتحدة والعراق، وهي خطوة من شأنها التصدي للتطرف وإيران على حد سواء. لكنه في الوقت نفسه، يشبه أيضاً إجراء حوارٍ استراتيجي مع شبح، حيث لا تمتلك الحكومة العراقية مساراً واضحاً للقيادة الفعالة، وتعاني من الخلل والفساد على جميع المستويات. كما تعاني السياسة العراقية من انقسامات عميقة تعكس إخفاقات كبيرة متزايدة.

وكذلك الاقتصاد العراقي أيضاً يشبه “الشبح” إلى حد ما، إذ أنه يواجه حالة من شبيهة بالانهيار جراء تراجع الطلب العالمي على النفط الذي تسبب به فيروس كورونا وفائض الدعم من “حرب النفط” بين روسيا والسعودية. وقد كانت الاقتصاد العراقي ضعيفاً وغير مستقر حتى قبل أن تبدأ هذه الأزمات، إذ كان القطاعان الزراعي والصناعي ضعيفين، وأثّرت عليه النخبة العراقية المنقسمة التي استحوذت على حصة أكبر بكثير من الاقتصاد بدلاً من توفير نوع من توزيع الدخل الذي يجلب الاستقرار للعراق. فأصبح الاقتصاد منقسماً شأنه شأن انقسام العراق على المستويين الطائفي والعرقي، وواجه انقسامات متزايدة لأنه لم يخدم شعبه.

وأخيراً، لم يقم العراق ولا الولايات المتحدة بتحول فعّال عن المعركة لتفكيك دولة “خلافة” داعش من خلال تأسيس قوات أمن عراقية فعالة وموحدة، وتخدم الحكومة المركزية، وتتعامل مع التهديد المستمر من طرف داعش والمتطرفين الآخرين، ويمكنها الدفاع عن العراق على مستوى الدولة أمام التهديدات الإقليمية المحتملة مثل إيران. وربما يكون من غير المنصف وصف قوات الأمن العراقية المنقسمة بأنها “شبح” العراق الثالث، لكنهم مسكونون بأشباح الماضي بدلاً من أن يتحركوا نحو مستقبل واضح.

وبناءً على ذلك، يجب تناول هذه المجموعات الثلاث من القضايا (أو الأشباح) من خلال حوار استراتيجي هادف بين الولايات المتحدة والعراق حول السياسة والحكم، والاقتصاد، والأمن. ولا يمكن أن يواصل ذلك الحوار التركيز على الأمن فحسب، ولا سيما على داعش. بل يجب على العراق أن يجد إجابات خاصة به على كل حالة، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تساعد عراقاً لا يمكنه أن يتوحد أو يتصرف بحيث يستطيع مساعدة نفسه بنفسه. ويجب على الولايات المتحدة في الوقت نفسه أن تقرر ما إذا كانت ستُلزم نفسها ببذل جهد متواصل لمساعدة العراق على الخروج موحّداً وقوياً بما يكفي لمنع وقوع المزيد من الصراعات الأهلية، والتصرف بصورة مستقلة عن الضغوط والتهديدات الإيرانية.

إيجاد حوار استراتيجي مع حكومة مفقودة أو “حكومة شبح”

لا يمكن في الوقت الراهن القول ببساطة إن الحكومة العراقية غير منقسمة، بل إنها أصبحت مجرد قشرة جوفاء. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان العراق سيحظى بجميع الشخصيات الرئيسية التي يمكن أن تكوّن شكلاً فعالاً لحكومة وطنية بحلول منتصف يونيو. إذ لم يكن في العراق رئيس وزراء على رأس عمله منذ ديسمبر 2019، ولم يكن هناك برلمان يؤدي واجبه بالكامل منذ سنوات عديدة. بل حتى أنه من غير الواضح ما إذا كان بإمكان العراق تحقيق إجماع برلماني حول إقامة علاقة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة.

لكن كان هناك مرشح لرئاسة الوزراء، هو عدنان الزرفي، الذي كُلّف بتشكيل الحكومة في 17 مارس 2020. وهو شيعي كان يشغل منصب محافظ مدينة النجف المقدسة، بالإضافة لكونه زعيماً سابقاً لكتلة النصر البرلمانية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. وكانت مجموعته وسطية إلى حد ما، لكنها منقسمة.

إلا أن العديد من الفصائل الشيعية -بما في ذلك زعماء قوات الحشد الشعبي الموالي لإيران وبعض الفصائل السنية- لم يدعموه، حيث شعر بعض الشيعة أنه مقرب من الولايات المتحدة زيادة عن اللزوم. فضلاً عن أن الرئيس العراقي برهم صالح عيّنه دون التشاور رسمياً مع البرلمان العراقي، ولم يُمنح سوى 30 يوماً لتشكيل الحكومة. وفي نهاية المطاف، لم يتمكن الزرفي من عقد اتفاق لتشكيل حكومة جديدة، واضطر إلى الانسحاب في 9 أبريل 2020.

ويبدو أن هذا أدى إلى تعيين رئيس وزراء محتمل آخر يمكنه تشكيل حكومة والحصول على دعم واسع بما يكفي لتولي المنصب – لمدة من الزمن على الأقل. وهذا المرشح الجديد هو مصطفى الكاظمي، ثالث رئيس وزراء عراقي تجري تسميته خلال ما يزيد عن شهر بقليل. وكان الكاظمي رئيساً لجهاز المخابرات الوطنية العراقية بتعيين من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وعمل في ذلك المنصب منذ يونيو 2016.

ورغم أن ترشيحه أدى إلى الشكوك المعتادة حول دعم الكاظمي من الولايات المتحدة مقابل إيران، إلا أن الولايات المتحدة دعمته بعد مدة وجيزة من اختياره. حيث قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 13 أبريل 2020 “نرحب بأن الزعماء السياسيين الشيعة والسنة والأكراد توصلوا على ما يبدو إلى إجماع بشأن تشكيل الحكومة، ونأمل أن تضع الحكومة الجديدة مصالح العراق في المقام الأول وتلبي احتياجات الشعب العراقي”. ولكنه شدد أيضاً على الحاجة إلى اتفاق عمل بين الفصائل الشيعية والسنية والكردية في العراق لدعم الحكومة الجديدة، التي يجب أن تكون قادرة على التعامل مع فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية، ووضع الفصائل المسلحة تحت السيطرة.

وكذلك دعمت إيران أيضاً الكاظمي، حيث كان الجنرال إسماعيل قاآني -القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني- موجوداً في العراق قبل مدة وجيزة من ترشيح الكاظمي. وبحسب البرلماني العراقي حسين فدّام -الذي ينتمي إلى حد ما للفصيل الموالي لإيران بقيادة عمار الحكيم- قال قاآني للمسؤولين العراقيين إن إيران “لن تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق أو في اختيار رئيس الوزراء”. وجاءت تصريحات فدام على محطة تلفزيونية عراقية، ثم أعاد نشرها عدد من المصادر الإعلامية الإيرانية.

وفي 13 مارس 2020، مضى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي إلى أبعد من ذلك، وقال إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية “ترحب بالاتفاق بين جميع الأحزاب السياسية العراقية على تعيين الكاظمي رئيساً للوزراء وتعتبر ذلك مساراً وخطوة صحيحين”. كما نشر السفير الإيراني الحالي في العراق، إيراج مسجدي، تغريدة تعبّر عن مشاعر مماثلة، حيث قال إن إيران ستدعم أي شخص يختاره البرلمان العراقي. وفي الوقت نفسه، وفي ما يشبه ترديداً لكلام بومبيو، حذّر السفير الإيراني السابق في العراق، حسن دانایی‌فر، من أن الكاظمي يواجه العديد من التحديات، بما في ذلك عائدات النفط، وفيروس كورونا، والمطالبات الأمريكية بإبقاء قوات متمركزة في البلاد بعد تصويت البرلمان العراقي على إخراجها.

وحتى كتابة هذه السطور، يُنظر إلى الكاظمي على أنه مرشح أكثر جدية، ولديه مهلة حتى 9 مايو 2020 لتشكيل الحكومة. وهذا يعني أنه قد يصبح رئيس وزراء فعلي في الوقت المناسب لإجراء حوار استراتيجي حقيقي في منتصف يونيو. وفي الوقت نفسه، يختلف الخبراء حول مواقفه تجاه الولايات المتحدة وإيران، إذ أشار بعض الشيعة العراقيين المؤيدين لإيران إلى أنه مقرب من الولايات المتحدة زيادة عن اللزوم، في حين يشعر بعض العراقيين الآخرين أنه قد يكون لديه صلات مع إيران. وما لا يقل عن ذلك أهمية، هو أنه حتى أفضل رئيس وزراء لا يمكن أن يكون فعالاً في منصبه إلا بقدر ما تسمح به الانقسامات السياسية في العراق، والحكم الضعيف، والفساد.

لكن في الوقت الراهن، فإن المسؤول العراقي الكبير الوحيد الذي لديه سجل حافل في محاولة توحيد البلاد هو الرئيس الحالي برهم صالح، الكردي الذي يتولى منصبه في وقت ينقسم فيه الأكراد انقساماً عميقاً مثلما العرب الشيعة والسنة. أما بالنسبة للبرلمان، فإنه يجتمع في بعض الأحيان، ولكن فقط لكي يتشاجر حول كيفية تقسيم غنائم المنصب بدلاً من تلبية حاجات البلاد. وهو عبارة عن مجموعة من الفصائل الانتهازية التي لا يمكنها معالجة قضايا حرجة، مثل الإصلاحات الاقتصادية الحيوية، وتعافي المناطق السنية التي تعاني من آثار القتال ضد تنظيم داعش، وإعادة دمج العراقيين الأكراد بشكل كامل.

وعلى نطاق أوسع، لدى العراق واحدة من أسوأ الحكومات وأقلها فاعلية في العالم بحسب البنك الدولي. إذ لا يحتل العراق فقط مرتبة منخفضة مقارنة بالدول الأخرى في جميع فئات تصنيف البنك الست -وربما باستثناء الصراحة والمساءلة- ولكنه يحتل أيضاً مرتبة منخفضة للغاية في الاستقرار السياسي، والعنف والإرهاب، وسيادة القانون، و الفساد.ـ كما احتل العراق المرتبة 18 بين أكثر دول العالم فساداً وفقاً لأحدث تصنيفات منظمة الشفافية الدولية في عام 2019.

وتُظهر استطلاعات الرأي العام في العراق أن الحكومة تفتقر إلى الدعم والثقة الشعبيين على جميع المستويات، بدءاً من المستوى الوطني إلى المستوى المحلي، وأن سكان البلاد العرب ينقسمون إلى فصائل شيعية وسنية أكثر استقطاباً بصورة مطردة، وهي بدورها منقسمة انقساماً شديداً – وأحياناً عنيفاً- ولديها من القوة أكثر مما لديها من الدعم الشعبي. لكن الزخم تجاه الوحدة الذي كان موجوداً بعد تفكك “خلافة” تنظيم داعش ضاع إلى حد كبير من خلال الفشل في مساعدة المناطق السنية في غرب البلاد -حيث وقعت المعارك- على التعافي، ومن خلال الفشل في الوصول إلى علاقات عمل فعالة مع الأكراد، وفشل بغداد في تقاسم الثروة النفطية للبلاد مع المناطق الشيعية في الجنوب.

ومع ذلك، لا يزال العراق يمتلك على الأقل قشرة الديمقراطية الفعالة، ولديه تاريخ من التوجهات القومية وفترات من الوحدة الحقيقية، كما أنه لا يزال يتمتع بمستويات عالية نسبياً من التعليم والتنمية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، اجتمعت انقساماته العرقية والطائفية العميقة مع وجود سياسيين انتهازيين والتحزّب، ما جعل العراق مشلولاً بسبب المحسوبيات والمستويات العالية من الفساد التي ستدفع الحكومة إلى نقطة تشبه الكليبتوقراطية، أي حكم اللصوص. وهي مستويات يمكن أن تجعل العراق أكثر عرضة للضغوط الخارجية من دول مثل إيران، وكذلك من المظاهرات الشعبية الجماهيرية المتزايدة، والغضب بين الفصائل وداخلها.

ولا يمكن للولايات المتحدة أو أي قوة تغيير هذه الظروف من الخارج، وتاريخ العراق منذ عام 2003 حتى الوقت الحاضر يبيّن ذلك تماماً. إلا أنه بإمكان الولايات المتحدة أن تعمل مع دول أخرى لإيجاد حوافز اقتصادية ومساعدات مرتبطة باتخاذ خطوات مهمة من شأنها أن تبقي العراق يتحرك للأمام. يمكن للولايات المتحدة أن تشجع الوحدة والتسويات بصورة فعالة، ويمكن أن توضح أن هدفها من القيام بذلك هو الوصول إلى عراق قوي ومستقل، وليس مجرد شكل من أشكال الدولة التابعة.

التعامل مع الاقتصاد “الشبح”، وليس الأمن فقط

لكن هذا يعني أن الحوار الاستراتيجي مع العراق لا ينبغي فقط أن يقدم دعماً أمريكياً مستداماً، وأن يركز على الحكم بقدر ما يركّز على الأمن، بل أن ينطبق ذلك أيضاً على “شبح” العراق الثاني، أي اقتصاده. ويجب على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الأسباب الاقتصادية التي كان لها دور كبير في زيادة عدم الاستقرار والانقسامات والمظاهرات الشعبية في العراق.

وليس لدى العراق “حكومة شبح” فحسب، بل لديه أيضاً “اقتصاد شبح”. إذ يُعد العراق قوة نفطية كبيرة، حيث يشير أحدث تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن العراق هو ثاني أكبر دولة منتجة للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ولديه خامس أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم، حيث يتراوح ما بين 140-145 مليار برميل.

ومع ذلك، تساعد هذه الأصول النفطية أيضاً في تأجيج الانقسامات الطائفية والعرقية في العراق، إذ أنها كلها تقريباً موجودة في المناطق الشيعية والكردية. حيث حوالي 90% من إنتاج النفط الخام العراقي يأتي من حقول النفط البرية في المناطق الشيعية جنوبي البلاد. وعلاوة على ذلك، لدى العراق حوالي 135 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي، أي أنه يحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكبر احتياطيات العالم.

لكن إنتاج النفط الخام العراقي كان غير منتظم إلى حد كبير. فقد بلغ ذروته عند 2.5 مليون برميل في اليوم في عام 2000 قبل الغزو الأمريكي في عام 2003. ثم تراجع إلى أقل من 1.5 مليون برميل في اليوم خلال الحرب عام 2003، ثم نما بمعدل حوالي 300 ألف برميل يومياً من عام 2013 حتى عام 2017، وبلغ متوسط الإنتاج 4.4 مليون برميل في اليوم في عام 2017. وخلال النصف الأول من عام 2018، بلغ إنتاج النفط الخام العراقي حوالي 4.5 مليون برميل في اليوم. وتشمل تقديرات الإنتاج هذه النفط المنتج في إقليم كردستان العراق، الذي يُعدّ منطقة شبه مستقلة شمال شرقيّ العراق تحكمها حكومة إقليم كردستان.

وقد أفادت وكالة معلومات الطاقة أن العراق حقق حوالي 66 مليار دولار من إيرادات التصدير في عام 2017، و 91 مليار دولار في عام 2018، وأن اقتصاد السوق يعتمد إلى درجة كبيرة على إيرادات تصدير النفط الخام منذ مدة طويلة: “في عام 2017، حقق العراق (عدا حكومة إقليم كردستان) ما يقرب من 60 مليار دولار من عائدات تصدير النفط الخام، بزيادة 16 مليار دولار عن عام 2016، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط والزيادة الطفيفة في حجم الصادرات”.

وتشير وكالة معلومات الطاقة إلى أنه “في عام 2017، شكلت عائدات تصدير النفط الخام ما يقدر بـ 89% من إجمالي إيرادات الحكومية العراقية وفقاً لصندوق النقد الدولي”. ويقدّر كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية أن “الاقتصاد العراقي الذي تديره الدولة بدرجة كبيرة يهيمن عليه قطاع النفط الذي يوفر حوالي 85% من إيرادات الحكومة و 80% من القطع الأجنبي”.

إلا أن هذه الزيادات في الإنتاج والدخل الناتج عن التصدير كانت غير منتظمة إلى حد بعيد، وتركت متوسط نصيب الفرد في العراق -الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 39 مليون نسمة- من قطاع النفط منخفضاً نسبياً حتى في الفترات التي كانت فيها عائدات تصدير النفط أعلى بكثير. وتقدّر وكالة معلومات الطاقة أن صافي نصيب الفرد من إيرادات الصادرات العراقية بلغ 1,715 دولار في عام،2017 و 2,304 دولار في عام 2018؛ بالمقارنة مع صافي نصيب الفرد في السعودية البالغ 5,248 دولار في عام 2017، و 7,098 دولار في عام 2018؛ وفي الإمارات 5,911 دولار في عام 2017، و 7,797 دولار في عام 2018؛ وفي الكويت 10,965 دولار في عام 2017 و14,683 دولار في عام 2018. لكن الإيرادات في إيران كانت أقل من ذلك بكثير: حيث بلغت 685 دولار في عام 2017 و820 دولار في عام 2018.

وكما أوضحت الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإن هذه المشكلات أصبحت أكثر تعقيداً منذ حرب الخليج الأولى في عام 1991، وذلك بسبب التطورات الداخلية مثل النمو السكاني السريع، والعدد الضخم من الشباب الجدد الذين يدخلون سوق العمل سنوياً، وغياب الإصلاح الزراعي، وقطاع الدولة غير الفعال الذي يشمل ما يصل إلى 40% من القوى العاملة النظامية الذين لا يحصلون في كثير من الأحيان على رواتبهم من الوظائف التي غالباً ما تكون إنتاجيتها الحقيقية ضئيلة. وكذلك لم تتعاف قطاعات التعليم، والمرافق، والخدمات الصحية، والخدمات العامة الأخرى، من مستويات ما قبل الحرب العراقية-الإيرانية، أو حتى من تأثير الاضطرابات والحكومة الفاشلة التي تلت حربي 1991 و 2003.

ولا تزال أزمتا فيروس كورونا وحرب النفط بين السعودية وروسيا تواصلان في التطور. حيث أن التقديرات العراقية الرسمية لعدد الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا مثيرة للجدل إلى حد بعيد، وتشير بعض المصادر إلى أن العدد الذي أُبلغ عنه رسمياً منخفض للغاية. فحتى منتصف أبريل، كانت الأرقام الرسمية أكثر من 1300 إصابة و 72 وفاة. إلا أن الجهود المبذولة للسيطرة على الفيروس كانت محدودة للغاية، كما كانت تغطية الاختبارات على الصعيد الوطني لا تُذكر، ولا تزال إيران مصدراً لحالات جديدة، وبدا أن بيانات وزارة الصحة العراقية غير مؤكدة أبداً. كما بقيت الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بين السعودية وروسيا ومنظمة أوبك للحد من تأثير أزمة النفط محدودة ولا تزال في بدايتها.

وفي جميع الأحوال، كان للأزمتين تأثير كبير على اقتصاد العراق وموازنته في عام 2020، ما زاد من سوء هذه المشكلات بالنسبة للشعب العراقي. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قدّرت في فبراير 2020 أنه لا يزال في العراق 429،537 لاجئاً ونازحاً داخلياً، و247،568 لاجئ سوري؛ و4،596،450 من العائدين غير محددي السكن والدخل؛ ويبلغ إجمالي عدد السكان محل القلق أكثر من 6 ملايين و300 ألف نسمة.

وتفيد وكالة معلومات الطاقة أنه لغاية شهر أبريل 2020، انخفضت عائدات النفط في العراق انخفاضاً حاداً لتصل في شهر مارس 2020إلى أدنى مستوى لها منذ أربع سنوات، رغم أن الصادرات على مستوى البلاد استقرت عند أكثر من 3.87 مليون برميل يومياً. وبحسب وزارة النفط، لم تحقق الحكومة الاتحادية العراقية سوى 2.989 مليار دولار من بيع صادراتها النفطية البالغة 3.390 مليون برميل يومياً بمتوسط سعر 32.73 دولار. وهذا الإجمالي يقل بمقدار ملياري دولار عن شهر فبراير 2020، وأقل من نصف إجمالي عائدات شهر يناير.

وقد كان لهذه الأزمات تأثير كبير على إجمالي نصيب الفرد من الدخل في العراق، ومع ذلك لم تتضح بعد آثارها الكاملة ولا يمكن التنبؤ بها. وقد تفاعلت الأزمات أيضاً مع السياسات الاقتصادية الحكومية الفاشلة التي تعود إلى حقبة سقوط الملكية، وكذلك حال الزراعة التي بلغ إجمالي الاستثمار الحكومي الزائد غير الفعال ذروته في الفترة التي سبقت الحرب العراقية-الإيرانية مباشرة. ومنذ ذلك الوقت، كان الاقتصاد العراقي في حالة مستمرة من الحرب أو الأزمات أو العقوبات منذ 40 عاماً.

وقدّر كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية أنه قبل أزمة فيروس كورونا الحالية وأزمة الدخل الناتج عن التصدير بأن:

الحكومة العراقية تواجه عدداً من العوائق، بما في ذلك النظام السياسي الهش والمخاوف بشأن الأمن والاستقرار المجتمعي. فضلاً عن أن الفساد المتفشي، والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن، والخدمات الأساسية غير الكافية، ونقص العمالة الماهرة، والقوانين التجارية البالية، كلها عوامل تعوق الاستثمار وتواصل تقييد نمو القطاعات الخاصة غير النفطية. وبموجب الدستور العراقي، تجري مشاركة بعض القدرات المتعلقة بالمناخ الاستثماري العام إما من طرف الحكومة الاتحادية والمناطق، أو تفوض بالكامل إلى الحكومات المحلية. ويعمل الاستثمار في كردستان العراق ضمن إطار قانون الاستثمار في إقليم كردستان (القانون رقم 4 لعام 2006) ومجلس الاستثمار في كردستان، المُصمم لتقديم حوافز للمساعدة في التنمية الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسلطة حكومة إقليم كردستان.

ولا يزال التضخم تحت السيطرة منذ عام 2006. ومع ذلك، لا يزال القادة العراقيون بواجهون صعوبة في ترجمة مكاسب الاقتصاد الكلي إلى تحسين المستوى المعيشي للشعب العراقي. إذ لا تزال البطالة تمثل مشكلة في جميع أنحاء البلاد رغم تضخّم القطاع العام. كما جعل الإفراط في إصدار القواعد التنظيمية من الصعوبة بمكان على المواطنين العراقيين والمستثمرين الأجانب بدء أعمال تجارية جديدة. وأعاق الفساد ونقص الإصلاحات الاقتصادية -مثل إعادة هيكلة المصارف وتطوير القطاع الخاص- نمو القطاع الخاص.

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية قدّرت في أكتوبر 2019 – أي قبل وقت طويل من بدء الأزمات الحالية- أن:

الحكومة العراقية حريصة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكنها تواجه عدداً من العوائق، بما في ذلك النظام السياسي الهش والمخاوف بشأن الأمن والاستقرار المجتمعي. فضلاً عن أن الفساد المتفشي، والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن، والخدمات الأساسية غير الكافية، ونقص العمالة الماهرة، والقوانين التجارية البالية، كلها عوامل تعوق الاستثمار وتواصل تقييد نمو القطاعات الخاصة غير النفطية. وبموجب الدستور العراقي، تجري مشاركة بعض القدرات المتعلقة بالمناخ الاستثماري العام إما من طرف الحكومة الاتحادية والمناطق، أو تُفوّض بالكامل إلى الحكومات المحلية. ويعمل الاستثمار في كردستان العراق ضمن إطار قانون الاستثمار في إقليم كردستان (القانون رقم 4 لعام 2006) ومجلس الاستثمار في كردستان، المُصمم لتقديم حوافز للمساعدة في التنمية الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسلطة حكومة إقليم كردستان.

وتقرير البنك الدولي الصادر في أواخر عام 2019 يسبق الأزمات الحالية أيضاً، ومع ذلك فقد حذّر من أنّه:

لا يزال التضخم تحت السيطرة منذ عام 2006. ومع ذلك، لا يزال القادة العراقيون بواجهون صعوبة في ترجمة مكاسب الاقتصاد الكلي إلى تحسين المستوى المعيشي للشعب العراقي. ولا تزال البطالة تمثل مشكلة في جميع أنحاء البلاد رغم تضخم القطاع العام. كما جعل الإفراط في إصدار القواعد التنظيمية من الصعوبة بمكان على المواطنين العراقيين والمستثمرين الأجانب بدء أعمال تجارية جديدة. وأعاق الفساد ونقص الإصلاحات الاقتصادية -مثل إعادة هيكلة المصارف وتطوير القطاع الخاص- نمو القطاع الخاص.

وستؤدي زيادة الإنفاق مع انخفاض أسعار النفط إلى عجز مالي من المتوقع أن تبلغ نسبته 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وسيبقى العجز ضمن هذا المجال في عام 2021. كما أن انخفاض أسعار النفط وزيادة المستوردات ستؤدي إلى استمرار عجز ميزان الحساب الجاري وتراجع الاحتياطيات الدولية. ولا يزال تقلب أسعار النفط يمثل المصدر الرئيسي للخطر، إذ أنه يعكس عدم تنوع الميزانية وتصلبها. وتؤدي هذه العوامل إلى تراجع المخزونات النقدية في العراق وزيادة تعرضه للصدمات الخارجية. كما يمكن للتقلب أن يعكس نتائج الإصلاحات الحكومية الإيجابية الأخيرة، خاصة في قطاعي الكهرباء والزراعة.

وفي أبريل 2020، أصدر البنك الدولي تحليلاً يعكس تقديراً أولياً تقريبياً للأثر الاقتصادي لفيروس كورونا. وبينما تحذر تلك الدراسة بتفصيل كبير من أن قدرة العراق على وضع التقارير الإحصائية تُعدّ منخفضة، وأن التقارير العراقية وصلت فقط إلى ما متوسطه 51% من القدرة المطلوبة حتى في أوقات ما قبل الأزمات، فإنها تنص على أن:

في حين أن قطاع النفط عزز النمو في عام 2019، أدى فشل الحكومة العراقية في تقديم الخدمات، ومحاربة الفساد، وتوفير الوظائف في القطاع الخاص، إلى حدوث اضطرابات اجتماعية لا تزال مستمرة منذ نوفمبر. واستجابة لذلك، طغى التوسع الكبير في التوظيف في القطاع العام، والمعاشات التقاعدية، والتحويلات، على الإنفاق الضروري على رأس المال البشري وإعادة الإعمار. وتنطوي التوقعات على مخاطر كبيرة مرتبطة بانخفاض أسعار النفط، وانتشار جائحة كوفيد 19، وقيود تمويل الموازنة، والجمود السياسي، والحاجة إلى ضبط الأوضاع المالية.

ويقدر البنك الدولي أيضاً أن أسعار النفط وعائدات التصدير قد تظل منخفضة حتى منتصف عام 2022 على الأقل، وأنها أدت بالفعل إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العراقي بنسبة 17% منذ عام 2020، وأشار إلى أنه لا يمكن إجراء أي تقديرات للنمو على المدى القريب إلا على أساس الاتجاهات السابقة. كما تنبأ بإمكانية حدوث تراجع بنسبة 8.3% نصيب الفرد من الدخل في عام 2020، وانخفاض إجمالي قدره 10.7% ما بين عامي 2020 و2022، إلى جانب تراجعات حادة في رصيد الحساب الجاري والرصيد المالي. ويعكس ذلك مشاركة العراق في اتجاه إقليمي أطول بكثير بين عامي خلال الفترة 2000 إلى 2022 التي وصفها البنك الدولي بـ”متلازمة النمو المنخفض”.

ولا توجد طريقة واضحة لتقدير أثر الأزمات الحالية على الشعب العراقي، أو كيف ستؤدي إلى تفاقم عدم التوزيع العادل للدخل حسب الطائفة أو العرق أو المنطقة. ولا توجد أرقام موثوقة عن توزيع الدخل الفعلي. وحتى أبسط البيانات الاقتصادية -مثل متوسط نصيب الفرد على الصعيد القومي- غير مؤكدة، ويوضح ذلك المثالان التاليان:

يقدر كتاب حقائق العالم الأخير الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية أن إجمالي نصيب الفرد من الدخل في العراق قبل الأزمة كان 16,700 دولار في عام 2017، وحيث احتل المرتبة 107 في العالم. ويمكن مقارنة ذلك مع 20،100 دولار في إيران؛ و46,000 دولار في سلطنة عمان؛ و49,000 دولار في البحرين؛ و54،500 دولار في السعودية؛ و65,800 دولار في الكويت؛ و68,600 دولار في الإمارات؛ و 124،100 دولار في قطر.

وفي المقابل، قد يكون تقدير البنك الدولي لنصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي باستخدام طريقة أطلس، أي بالأسعار الجارية للدولار، في 2018 أفضل معيار للمقارنة من حيث اقتصاد السوق الحديث، حيث أنه لا يحتوي على المبالغات التي تنطوي عليها طريقة تكافؤ القوة الشرائية.

ويقدر البنك الدولي أن إجمالي نصيب الفرد من الدخل في العراق قبل الأزمة كان 5،040 دولاراً في عام 2018،بالمقارنة مع 5,470 دولار في إيران؛ و15,140 دولار في سلطنة عمان؛ و21,890 دولار في البحرين؛ و21,600 دولار في السعودية؛ و32,490 دولار في الكويت؛ و40,880 دولار في الإمارات؛ و 61,150 دولار في قطر.

ولا توجد أرقام موثوقة حول التوزيع الفعلي للدخل، كما أن بيانات الميزانية العراقية تمثل المزيد من ال مشكلات. فحتى في شهر سبتمبر 2019، أي قبل الأزمات، حذر نائب في البرلمان العراقي من أن عجز الموازنة قد وصل بالفعل إلى 23.3 مليار دولار، ويمكن أن يصل إلى 30 مليار دولار بحلول أواخر مارس 2020، وحذر أيضاً من أن “العراق مول 93% من الموازنة من خلال صادرات النفط وأن “العراق خسر نصف إيراداته المالية مع تراجع أسعار النفط إلى 30 دولاراً للبرميل”. وذكر أن مشروع موازنة عام 2020 الذي طرحته الحكومة كان 135 مليار دولار، مع عجز يبلغ 40 مليار دولار. وقد حُسبت هذه الأرقام على أساس سعر 56 دولاراً للبرميل، لكن هذا السعر قد تراجع بنسبة 50% تقريباً.

وقد تطرقت هذه المناقشة مرة أخرى إلى عدد من التخفيضات في الموازنة التي أثرت على الجمهور الغاضب ولم تحلل تأثير فيروس كورونا. . وبالمثل، لم تذكر مناقشة الموازنة إنفاق العراق على الأمن القومي الذي قدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق في عام 2019. وكذلك لم تتطرق إلى حقيقة أن معظم الموازنة ذهبت لدفع تكاليف العمالة في الصناعات المملوكة للدولة في العراق، ولم تذكر إلى أي مدى استُنفدت الثروة النفطية العراقية من قبل نخبة محدودة نسبياً عبر هيكل سلطتها و فسادها، وأنها آثرت المناطق الشيعية -لا سيما في محيط بغداد- منذ عام 2005.

هناك العديد من الأسباب الوجيهة التي جعلت الوزير بومبيو يحذر من أن الحوار الاستراتيجي الناجح سوف يتطلب حكومة ابتعدت عن النموذج الطائفي القديم الذي أدى إلى الإرهاب والفساد. إلا أنه من الصعب تصديق أن أي حوار استراتيجي يمكن أن يكون له نتيجة ذات معنى لن يركز تركيزاً كبيراً على الاقتصاد المدني وإصلاح الموازنة، مثلما سيكون أثر “الشبحين” الآخرين في العراق. وقد تكون المساعدة الاقتصادية والعسكرية محدودة للغاية في عالم ما بعد فيروس كورونا، لكن الخيارات مثل الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي -وغيرها من القروض- قد تكون حاسمة مثل الحكم والأمن.

إدارة وضعية أمنية “شبيهة بالشبح”

تتضمن المجموعة الأخيرة من القضايا التي ينبغي معالجتها في حوار أمني هادف محرور تركيزها الأساسي: ألا وهو الأمن. وهناك بعض الجوانب التي لا يمكن أن يعالجها إلا العراق وحده، من ضمنها سيادة القانون، ودور الشرطة وقوى الأمن الداخلي، والقطاع المدني للأمن. ويمكن للقوى الخارجية مثل الولايات المتحدة أن تقدم المساعدة التقنية في بعض هذه المجالات، لكن حل القضايا الطائفية والعرقية والفساد المتوطنة في العراق من أجل توفير حكم عادل وفعال للقانون لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل.

إلا أن القصة تختلف عندما يتعلق الأمر بالقوات العسكرية، ومحاربة الإرهاب، والأمن القومي، ولدى العراق هنا مجموعة ثالثة من “الأشباح”. إذ أن تفكيك خلافة داعش لم يهزم التطرف والإرهاب في العراق بأي شكل من الأشكال، ولم ينشأ عنه الجيش والقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي البرية، والقوات البحرية، وقوات مكافحة الإرهاب اللازمة لمنح العراق القدرة على التعامل مع أي عودة للإرهاب، أو الحرب الطائفية، أو الصراع الداخلي، أو الضغوط الخارجية من دول مثل إيران وتركيا.

وسيتعين على العراق أن يتصدى للانقسامات بين الحكومة المركزية والقوى الكردية، وكذلك الانقسامات الطائفية العميقة داخل قوات الحشد الشعبي التي يكاد يكون بعضها وكلاء لإيران، إذ كانت مصدراً للهجمات المتكررة على القوات الأمريكية المتمركزة في العراق. ومن شبه المؤكد أن العراق لا يستطيع إيجاد حلول سريعة لجميع هذه المشكلات، إلا أنه يحتاج إلى شكل من أشكال الاتفاق على خطة لحلها مع الوقت، واستراتيجية لتأسيس قوات عسكرية كبيرة وقوية بما يكفي لتأمين حدوده مع سورية وتركيا وإيران.

فحتى المقارنة البسيطة بين القوات العسكرية التابعة للحكومة العراقية ونظيرتها الإيرانية توضح المشكلة، إذ أن قوات الأمن العراقية متأخرة عنها. ولى سبيل المثال، معظم منظومات المدرعات العراقية -عدا الدبابات- لديها جاهزية فعلية محدودة. كما أن البيانات العراقية لا تتضمن نحو 193 ألفاً من الشيعة والسنة وقوات الحشد الشعبي الذين ينتمون لمجموعات مثل منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وكتائب الإمام علي، وكتائب سيد الشهداء وغيرها. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه القوات ستقاتل لصالح الحكومة المركزية، ويبدو أن مستويات الالتحاق بها متضخمة إلى حد خطير.

الفئةالعراقإيران
ميزانية الجيش (مليار دولار)17.3 -20.517.4 -22.0
العدد الإجمالي للأفراد الموجودين في الخدمة193,000610,000
أفراد الجيش والحرس الثوري180,000500,000
الدبابات القتالية الرئيسية391+1,513+
المركبات القتالية المصفحة الأخرى753+725
ناقلات الأفراد المصفحة1,592+640
المدفعية الثقيلة (مقطورة، ذاتية الحركة، راجمات الصواريخ)1113,798
أفراد القوات الجوية والدفاع الجوي10,00045,000
إجمالي الطائرات المقاتلة90333
الطائرات المقاتلة/الهجومية66310+
صواريخ أرض جو0237
أفراد القوات البحرية3,00038,000
الغواصات03
غاطسات016
السفن السطحية المزودة بالصواريخ063
زوارق الدوريات المزودة بالصواريخ022
زوارق الدوريات الرئيسية الأخرى6 -2688
سفن إنزال015
زوارق إنزال013

ولم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن أي خطة غير سرية لمساعدة العراق على تحويل هذه القوات إلى قوات عسكرية وطنية حديثة ومستقلة. وقد ساعدت الولايات المتحدة العراق على إعادة بناء قوات برية قوية لمكافحة التمرد، وهي قوى أظهرت في كثير من الأحيان شجاعة وفعالية كبيرتين في التعامل مع قوات داعش حتى في أقسى ظروف حرب المدن المرهقة. لكن حتى هذه القوات كانت تعتمد على الضربات الجوية الأمريكية الضخمة، ودعمها في مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع خلال القتال ضد داعش، ولم يكن بإمكانها تحقيق الانتصارات التي حققتها لولا هذا الدعم. وقد بدأت القوات الجوية العراقية الحالية للتو اكتساب القدرة على تنفيذ ضربات جوية ثقيلة لكن ليس لديها صواريخ أرض-جو نوعية.

وبناءً على ذلك، يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لأي حوار استراتيجي أميركي-عراقي هو وضع خطة لتوسيع القوات العسكرية العراقية وتحديثها، وكذلك التعامل مع مستقبل قوات الحشد الشعبي -التي بعضها معادٍ للولايات المتحدة- وغيرها من القوات التي لا تخضع لسيطرة فعلية من الحكومة المركزية العراقية.

توسعة خيارات الحوار والتعاون

لا يمكن للولايات المتحدة أن تساعد العراق إلا على تحديد هذه المجموعات الثلاث من “الأشباح”. إذ أنه حتى أكثر الحوارات الاستراتيجية نجاحاً ستتطلب أن يتحمل العراق المسؤولية الأولى عن خططه وإصلاحاته السياسية، ونظام الحكم، والاقتصاد، وقوات الأمن. ولا يحتاج العراق إلى الاتفاق على قيادة فعالة لحكومته فحسب، بل يجب عليه أيضاً قبول حقيقة أن المساعدة الخارجية ستكون محدودة في عالم يتعافى من صدمة فيروس كورونا. ومن هنا، فإن احتمالات تمكّن العراق من تحقيق مثل هذا التقدم غير مؤكدة في أحسن الأحوال. ولو كان هناك فرصة سانحة بعد انهيار “خلافة” داعش، فقد فوّتها زعماء العراق المنقسمون.

ومع ذلك، لدى الولايات المتحدة مسؤوليات واضحة على الصعيد الإنساني، ومصالح استراتيجية واضحة في استقرار العراق وأمنه، ذلك إذا استطاع العراق أن يُبدي استعداده لمساعدة نفسه بالفعل. ولا يمكن لأي حوار أمني أن يصل إلى اتفاق قابل للتطبيق يتجاهل مشكلات العراق واستعداد القوى الخارجية لاستغلالها. وبدون مثل هذا الاتفاق، سيكون من الأسهل بكثير على إيران، والفصائل العراقية، وقوات الحشد الشعبي، وغيرها من الدول الخارجية والجهات الفاعلة من غير الدول، لعب دور المخرب، واستغلال نقاط الضعف والانقسامات في العراق، أكثر مما سيكون سهلاً بالنسبة للعراق من أجل التحرك نحو مسار مستقر في المستقبل في أي من المجالات الرئيسية الثلاثة التي نوقشت في هذا التحليل.

وقد أظهرت إيران على وجه الخصوص قدراتها على استغلال الانقسامات الداخلية في سورية ولبنان واليمن وأجزاء كبيرة من العراق. ويوضح التسلسل الزمني للأحداث في الملحق قائمة طويلة من النجاحات السابقة لإيران في استغلالها، وهو موضوع جرى تناوله بمزيد من التفصيل تقرير آخر بعنوان “إيران والتوازن العسكري المتغير في الخليج: مؤشرات التقييم الصافي”.

وتستطيع إيران أيضاً أن تنجح ببساطة عن طريق إفشال الحكومة العراقية. لكنها قد ترغب في إيجاد عراق مستقر يخضع للنفوذ الإيراني حتى يكون جزءاً من محور مستقر يشمل سورية ولبنان. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه بإمكان إيران تحقيق أهدافها ببساطة عن طريق إخراج الولايات المتحدة من العراق وتولي دور المزود الخارجي للمساعدة المدنية والعسكرية. فالعراق الضعيف أو العاجز أو المنقسم سيمنح إيران حرية نسبية للعمل دون أن يشكل أي تهديد على نفوذها.

وهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتقديم مساعدة جادة للعراق -بما في ذلك إبقاء المدربين والمستشارين العسكريين الأمريكيين، ووزارة الخارجية، وغيرهم من موظفي المساعدة على الأرض لعدة سنوات على الأقل. وبناءً عليه، فإن أحد المعايير الرئيسية لأي حوار ناجح واستراتيجي سيكون التزام الولايات المتحدة بمواصلة أداء دورها في العراق لأطول مدة ممكنة، على أمل الوصول إلى النقطة التي يستطيع فيها العراق تحقيق النجاح في المستقبل بمفرده. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح من خلال الانسحاب من العراق، أو من خلال الزعم بتحقيق انتصار واسع ضد “خلافة” داعش غير الموجودة، أو من خلال تجاهل المكاسب التي حققتها قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.

ويجب على الولايات المتحدة أيضاً ألا تواصل التركيز على البعد العسكري وحده، لا سيما التركيز على إنشاء قوات عراقية أقوى لمكافحة التمرد. بل يجب أن تركز جهود المساعدة التي تبذلها على تحقيق مستوى متوازن من قدرات الأمن القومي التي تشمل كلا من القضايا المدنية والدفاع الوطني.

فالتنمية المدنية في العراق لم تتعافَ بعد من آثار حرب الخليج الأولى عام 1991 والعقوبات والأزمات المختلفة التي تلت ذلك. في حين أن بعض التقارير تبالغ بشكل صارخ في تأثير القصف الأمريكي خلال تلك الحرب، وتقلل من شأن استعداد صدام حسين لتقديم جيشه ونظامه على مصلحة الشعب العراقي، والأزمة الاقتصادية الحالية في العراق، والانقسامات الداخلية، والتراجع المطرد في خدمات حكومته – بما في ذلك الخدمات الصحية – التي وصلت إلى مستويات حرجة بدرجة أكبر في أعقاب تلك الحرب.

وهناك أيضاً أسباب وجيهة تجعل الكثير من العراقيين يلومون الولايات المتحدة على بعض مشكلاتهم الحالية، وينظرون إلى غزو 2003 من ناحية سلبية. إذ لم تحقق المساعدة الأمريكية بعد عام 2003 التعافي المدني، أو فرص العمل، أو مستويات معيشية أفضل. كما أنها لم تُرجع الخدمات الصحية التي كانت فعالة ذات يوم في العراق -وهي قضية أصبحت حرجة في شهر مارس عندما بدأ فيروس كورونا يُحدث تأثيراً كبيراً في العراق- وهي مشكلة ربما كانت الحكومة العراقية تقلل من شأنها بصورة فادحة من حيث خطورة عدد الإصابات والوفيات.

وقد كانت أسباب الاحتجاجات المدنية التي أدت إلى العنف -وأحياناً استخدام قوة السلاح ضد المتظاهرين- بدءاً من عام 2019 سيئة بما فيه الكفاية. حيث لم تؤثر على الاقتصاد الفاشل والجهود الأمنية الحكومية الفاشلة فحسب، بل وأثرت أيضاً على دولة دُمِّر غربها الذي يغلب عليه السنّة بسبب المعارك ضد تنظيم داعش، وحكومة إقليمية كردية منقسمة، ومنطقة تعاني من انقسامات طائفية عميقة في بغداد، وانقسام شيعة الجنوب بصورة مماثلة، وواحدة من أكثر مجموعات الحكومات الحضرية فساداً في البلاد.

ولا تتحمل الولايات المتحدة سوى جزء من اللوم على هذه التطورات، لكن غياب أي جهد أمريكي متسق وفعال للتعامل مع مثل هذه المشكلات المدنية، وفشل الولايات المتحدة في تطوير وضع أمني فعال في العراق والحفاظ عليه، ساعد في شل التنمية في العراق بعد عام 2003. ولم تفشل الولايات المتحدة في الحفاظ على الجهود الأمنية الفعالة فحسب، بل وفشلت أيضاً في اتباع نهج واقعي لمساعدة العراق على وضع نظام قابل للتطبيق للحكم والتنمية الاقتصادية.

وعلاوة على ذلك، فإن أي حوار أمني سيجري في يونيو سوف يأتي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة مشكلة خطيرة في المصداقية، من بين أسبابها السلسلة الأخيرة من الأعمال العسكرية الأمريكية المفاجئة ضد إيران وقوات الحشد الشعبي العراقي، وإعلان الولايات المتحدة عن تخفيض القوات الذي تراجع عنه على الفور المسؤولون الحكوميون الأمريكيون لأنه كان نزوة على ما يبدو، وعدم وجود التزام استراتيجي أمريكي بمستقبل العراق. وقد اقتربت هذه العوامل كثيراً من تكرار الأضرار التي تسببت بها الولايات المتحدة عند رحيلها في وقت أبكر من اللازم دون الاكتراث بالمستقبل في عام 2011.

وتفاقم هذا الضرر أيضاً منذ فككت الولايات المتحدة “خلافة” داعش من خلال إلغاء القنصليات الأمريكية، وتقليل وجودها الدبلوماسي، وتدمير مكانة السفارة ودورها في بغداد، والتخلي عنها ببساطة استجابة للهجمات على القواعد الأمريكية، دون بذل أي جهد واضح للعمل مع الحكومة العراقية من أجل الحفاظ على وجود القوات الأمريكية.

 وفي حين أنه يبدو أنه لا توجد أي بيانات غير سرية موثوقة حالياً حول الوجود العسكري والمدني الأمريكي، أو حول توزيع الأفراد العسكريين والمدنيين والمقاولين في العراق، فإن هذه الجولة الجديدة من زيادة الضغط على إيران ثم من العراق بعد ذلك الانسحاب، جعلت من الواضح للغاية أن أسباب الثقة في الولايات المتحدة أصبحت أقل بكثير في منطقة الخليج.

وكما يوضح التسلسل الزمني للأحداث:

  • لدى الولايات المتحدة حاليا تسع قواعد في العراق، على الرغم من اختلاف المصادر على العدد الدقيق مع تقديرات تتراوح من 6-9 قواعد:
  • قاعدة التاجي العسكرية
  • قاعدة عسكرية في مطار أربيل الدولي
  • قاعدة النصر العسكرية في مطار بغداد الدولي
  • قاعدة كي وان الجوية
  • قاعدة بلد الجوية
  • قاعدة التقدم (الحبانية) الجوية
  • قاعدة عين الأسد الجوية
  • قاعدة القيارة الجوية
  • قاعدة حرير الجوية

وقد انسحبت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين من القواعد التالية استجابة لضغط إيران وقوات الحشد الشعبي المؤيدة لها في عام 2020:

  • 19 مارس 2020: القائم
  • 26 مارس 2020: قاعدة القيارة الغربية
  • 29 مارس 2020: قاعدة كي وان الجوية
  • 4 أبريل 2020: قاعدة التقدم الجوية

ولا يمكن أن تتمكن الولايات المتحدة والعراق من النجاح إلا إذا بقيت القوات الأمريكية في العراق إلى أن تصبح القوات العراقية جاهزة. لكن من غير الواضح كيف يمكن للولايات المتحدة أن تؤدي الدور الذي يحتاجه العراق حتى يصبح قوة مستقلة بالفعل ما لم توفر الولايات المتحدة فرق التدريب والمساعدة في الخطوط الأمامية، وتقدم مساعدة واسعة في تطبيق دفاع جوي حديث، ومساعدات مماثلة في إعادة بناء قوة صواريخ أرض-جو، وتشرف على الأقل على مساعدة بحرية محدودة.

وستحتاج الولايات المتحدة أيضاً إلى العمل مع العراق بصورة وثيقة للاختيار بين بناء القوات العراقية ثم المغادرة، أو محاولة إقامة شكل من أشكال الشراكة الاستراتيجية الدائمة. وربما يكون من المغري الدفاع عن دور الشراكة، لكن لدى العراق تاريخ من النزعة القومية المستقلة، ووجهات نظر شديدة الانقسام حول الولايات المتحدة.

وريما يكون هناك أيضاً حاجة إلى حل وسط يعكس رغبة العراق في تدخل عسكري أمريكي مباشر لمدة محدودة، لكن يمكن أن يدعم ذلك وعد ضمني بأن تواصل الولايات المتحدة مساعدة العراق بناءً على طلبه في حالات الطوارئ. وفي الحد الأدنى، يجب أن ينتهي الحوار الاستراتيجي الناجح بالتزام عراقي بتقديم دعم حقيقي لاستخدام القوات العسكرية العراقية لتوفير الحماية الكاملة للأمريكيين الذين يخدمون في العراق أو يقيمون فيه، و / أو السماح للولايات المتحدة بتنفيذ ضربات انتقامية في بعض الظروف. وسيمثل هذا مشكلات للحكومة العراقية، ولكن يمكن تحقيقه مقابل استعداد الولايات المتحدة لإعفاء العراق من العقوبات على واردات الغاز والكهرباء من إيران، حيث ستنتهي الإعفاءات الحالية في 25 أبريل.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تكون حذرة بالقدر نفسه فيما يتعلق بأي تدخل في السياسة والحكم العراقي. ومع ذلك، لدى الولايات المتحدة كل الأسباب لجعل المساعدة والدعم مشروطين بنوع الوحدة الذي ذكره وزير الخارجية بومبيو في دعوته إلى حوار استراتيجي. وينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع الوحدة الوطنية، والجهود المبذولة للحد من أسباب الانقسام العرقي والطائفي، وكذلك أن تبذل الجهود لتشجيع قيام حكومة نزيهة وفعالة. لذا يجب أن تجعل المساعدة والدعم الأمريكيين مشروطين بجودة القيادة العراقية ونزاهتها. ولكن يجب ألا تبذل أي جهد لتحويل العراق بمعدلات لا يدعمها النظام السياسي العراقي أو ربما لا يمكنه استيعابها.

والعنصر الحاسم الآخر في الحوار الاستراتيجي هو أن تدعم الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية باعتبارها حافزاً أساسياً لتقدم العراق في مسار تحقيق الوحدة الوطنية، ولا تركز على الأمن وحده. وتحتاج الولايات المتحدة هنا إلى القيام بما فشلت به في أفغانستان والعراق خلال الفترة 2003-2011. إذ ينبغي عليها العمل مع العراق لإنشاء برنامج مساعدة اقتصادية مرتبط -ومشروط- بإجراء إصلاحات كبيرة والتوزيع النزيه والعادل لهذه المساعدة.

ويجب أن تكون هذه المساعدة دولية قدر الإمكان، وأن تكون مرتبطة بالقروض المشروطة بدلاً من المنح. إلا أن أموال المساعدات خلال جائحة فيروس كورونا والمدة التي تليها ستكون شحيحة للغاية في أحسن الأحوال. ومع ذلك، يجب أن يكون العراق قادراً على سداد معظم المساعدات مع مرور الوقت، ويمكن أن تكون القروض مرنة، ويجري الإعفاء منها في بعض الأحيان. فتدويل المساعدات سيقلل الضغط على الولايات المتحدة، وربما يؤدي إلى جمع أموال إضافية، ويخفض عتبة التوتر مع إيران، مثلما بمكن أن يفعل بناء القوات العراقية ثم المغادرة.

ويجب أن يكون التحكم في التدفقات النقدية، وأي تعديلات في مستويات الدفع أو سداد القروض، مستنداً إلى نزاهة المسؤولين والشركات العراقية وفعاليتهم في استخدام المساعدات الأمريكية. ورغم أن الشخصيات السياسية في البلدان المتلقية للمساعدات مثل العراق ربما لا تحب المساعدة المشروطة، إلا أن الحقيقة هي أن الكثير من هؤلاء المسؤولين يضعون جشعهم فوق أي جانب من جوانب السيادة أو رفاهية أبناء شعبهم.

لدى الولايات المتحدة التزامات معنوية وأخلاقية تجاه الشعب العراقي، إضافة إلى خدمة المصالح الاستراتيجية الخاصة بها، ولكن ليس لديها التزامات تجاه هؤلاء السياسيين والمسؤولين العراقيين. بل يجب على الولايات المتحدة وشركائها العمل على الإطاحة بهؤلاء المسؤولين بدلاً من تكرار الدعوة إلى قيام حملات وطنية لمكافحة الفساد، ويجب عليهم التفكير بجدية في حرمانهم هم وعائلاتهم من تأشيرات الدخول. فليس هناك جدوى من تكرار التاريخ الطويل من المطالبة بمكافحة الفساد وبذل الجهود الداخلية التي يبدو أنها تنتهي دائماً بمعاقبة أولئك الذين يحاولون إنجاح هذه المطالبة، أو استغلالها لمعاقبة المنافسين، أو التضحية بكبش الفداء.

وهكذا، من الواضح جداً أن هذه الخطوات قد لا تطرد كل “أشباح” العراق ولا حتى معظمها. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تمنح العراق خيارات مُجدية، وألا تكرر أخطاءها السابقة. وفي الوقت نفسه، يتضح تماماً من النطاق المتزايد لأزمة فيروس كورونا أنه لن تكون هناك موارد كافية لتلبية كل الحاجات المُحقّة لمثل هذه المساعدة. وإذا لم يستطع المسؤولون العراقيون تعلم كيفية الاستفادة من المساعدة بصورة جيدة، فإن هناك دولاً أخرى ستفعل ذلك بالتأكيد. وفي هذه الحالة، فإن تلك الدول هي التي يجب أن تحصل على الدعم والمساعدة الاستراتيجية الأمريكية.

شاهد أيضاً

كيف انكسر “مخلب النسر” الأمريكي في إيران؟

الشرق اليوم- رافق سوء الحظ خطة “مخلب النسر” الأمريكية لتحرير الرهائن في إيران في أبريل …