الرئيسية / الرئيسية / تكليف عدنان الزرفي: مؤشرات وتحديات

تكليف عدنان الزرفي: مؤشرات وتحديات

الشرق اليوم- تضع خطوة تكليف عدنان الزرفي، من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح، وبحضور عدد من أعضاء مجلس النواب من كتل سياسية مختلفة مع امتناع ورفض تحالف الفتح عن تأييد التكليف واعتبار هذه الخطوة خرقا للدستور، العديد من المؤشرات إضافة إلى جملة من التحديات المعقدة المتعلقة بإدارة الأزمة للمرحلة الحساسة التي يمر بها العراق والمنطقة والعالم، فعلى صعيد المؤشرات:

1- فقدان البوصلة السياسية لتحالف الفتح في تسمية رئيس الوزراء وتقويض اعتقاده بأنه الكتلة الاكبر التي تم تجاوزها منذ تكليف عادل عبد المهدي ومحمد توفيق علاوي رغم ان الفتح شكل تحالف البناء الاكثر عددا داخل مجلس النواب بعد انتخابات ٢٠١٨،  لكن سرعان ما تفكك بعد استقالة حكومة عبد المهدي، حتى ان تحالف ذاته الفتح لم يعد متماسك وفيه من تمرد على قرارات وتوجهات التحالف ابان جلسات التصويت على حكومة المكلف علاوي.

2-ان اللجنة السباعية المشكلة من القوى السياسية الشيعية لم تكن مهامها واقعية من حيث القدرة كما انها عكست وكرست الخلافات بين محاور القوى الشيعية وخاصة فتح-سائرون الذي كان معولا عليه في تكليف عادل عبد المهدي وحتى علاوي، هذه اللجنة اساساً لم يعول عليها قادة الكتل الشيعية في التوصل لاتفاق،  وهي بمثابة هدنة مؤقتة واشغال للرأي العام لكنها لم تكن قادرة على تجاوز ازمة التشرذم والانقسام التي تعيشها القوى الشيعية. لان المرشح المطلوب في تنافر بين استحقاق المكون الشيعي من جهة وارضاء الاطراف السياسية الاخرى والشارع الداخلي والخارجي من جهة اخرى.

3-ان حكومة عدنان الزرفي على الاغلب ستنال الثقة لانها حظيت بدعم اممي وامريكي – دولي،  وايضا حظيَّ بدعمٍ من المكون السياس الكوردي والسني واكثر من مئة نائب من المكون السياسي الشيعي. ومن غير المستبعد انها حظيت موافقة الطرف الايراني بعد زيارة علي شمخاني لبغداد التي قد تؤشر طرح الاسم و عدم الممانعة الايرانية والتعويل على شخصية الزرفي في تقريب الفجوة بين واشنطن وطهران وتبريد الصراع، وحتى رفض تحالف الفتح مجرد بروڤة لايصال رسائل عدم الاستسلام ازاء تراجع نفوذهم السياسي وايضا تراجع النفوذ الايراني في العراق، نتيجة تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية وصحية متراكمة تواجهها ايران.

4- هذا الدعم ناتج عن قراءة القوى السياسية للمشهد فالمكلف يحمل عناصر تمثل قبولا لديها فهو من داخل المنظومة السياسية وسيراعي لذلك الاستحقاقات السياسية لهذه القوى، وستكون كابينته وبرنامجه وسياساته انعكاسا لمصالح وتوجهات تلك القوى بالحد الادنى، على خلاف رفضها للمرشح السابق علاوي الذي اعتبر مستقلا ومتحررا من ضوابط العملية السياسية وتوازناتها ، ووزراءه لايحظون بقبول تلك الكتل ورفضه كان من منطلق كي لا تؤسس سابقة قد تستمر باخراج الاحزاب من نطاق اللعبة السياسية.وهذا الشرط اهم حتى من المناصب الوزارية.

5- لن يواجه عدنان الزرفي رفضا من ساحات الاحتجاج كالذي واجهه علاوي لانه تبنى منذ اليوم الاول مطالب المتظاهرين وكان داعما لهم ، ورغم اعتراض جزئي من بعض المتظاهرين لكن الظروف السياسية والاقتصادية والصحية المتعلقة بخطر انتشار وباء كورونا والتداعيات المرافقة له شكلت مناخ مساعد لتخفيف الضعط ضد رفض المكلف والمضي باتجاه تمرير كابينته، وقد يشهد ضغطا احتجاجيا لكن باطار سياسي من بعض الاطراف المناوئة لكنها لن تؤثر على سياق استكمال كابينته ونيله الثقة.

6- لايمكن استبعاد احتمال اعتذار المكلف بسبب الضغوطات السياسية والاعلامية وانقسام المواقف وايضا من المحتمل عدم نيله الثقة النيابية لكن هذا الامر لن يكون الا بتراجع دعم سائرون للمكلف وايضا تحفظ او اي اشارات رفض من المرجعية الدينية في النجف ، عدا ذلك فالاتجاه نحو نيل الثقة هو الاحتمال الاقوى وهذا يؤشر ان سائرون لازال القطب الاساسي في تغطية اي رئيس حكومة من عدمه اضافة الى ضوابط التفاعلات الخارجية المتمثل بالمحورين الامريكي والايراني.

7- تؤشر خطوة تكليف الزرفي بشكل واضح تراجع نفوذ القوى السياسية التي تؤمن بمشروع المقاومة والمتماهية مع المشروع الايراني في مواجهة الولايات المتحدة واخراجها من العراق  في حين تعكس وجود تمرد نيابي لقوى سياسية شيعية كانت مقربة او متساكنة مع هذا المشروع وبدأت تستدير بالبوصلة نحو المشروع الوطني العراقي بحسب وجهة نظرها ، اوالمشروع الامريكي بحسب وجهة نظر قوى وفصائل المقاومة، بمعنى ان العراق لازال بين مشروعين ايراني امريكي ، لكن في هذه المرحلة كفة توازن المشروعين تميل للولايات المتحدة، وهذا قد يسفر عن تغيير (change) في ضوابط الصراع بينهما واتباع سياسات مواجهة جديدة لتعديل التوازن ايرانيا او استخدام منطق الردع امريكيا.

أما على صعيد التحديات :

1-ادارة الصراع الامريكي الايراني الذي يعد اصعب تحدي يواجه المكلف فهنالك مطلب سيادي (نيابي شعبي)باخراج القوات الاجنبية من العراق ، بالمقابل هنالك استراتيجية امريكية لمواجهة ايران في العراق والمنطقة تقتضي التواجد او التموضع والتدخل في الساحة العراقية، وبعد استهداف متبادل بين الطرفين في العراق زاد الامر تعقيدا مما يدل ان ايران لن ترتدع باستهداف القائد قاسم سليماني وتريد إيران دفع الولايات المتحدة للانسحاب من العراق، أو تجرها إلى مواجهة عسكرية محدودة عن طريق الفصائل المقربة منها. قد يكون التوقيت غير ملائم مما يدعو للتهدئة لكن هذا التوقيت ترى فيه إيران مع اندلاع أزمة كورنا إلى جانب الانهيار الاقتصادي والاضطرابات الداخلية المتزايدة، طريقا للخروج من الأزمة، عبر أثارة مشاعر قومية ضد واشنطن. اما الادارة الامريكية تميل لسحب 5 آلاف من جنودها من ثلاثة قواعد عسكرية (القيارة-القائم- k1) وهي غير مجهرة بالكامل لتعيد انتشارهم بالحقيقة في قواعد كبرى مثل قاعدة حرير في كردستان وفي وسوريا والكويت ، لكن في ظل الهجمات الايرانية فإن هذا الانسحاب سيكون بمثابة انتصار استراتيجي لإيران، فبعد أن جعل ترامب من سياسة احتواء الطموحات الإيرانية الإقليمية أساسا لسياسته الخارجية في المنطقة، فإن ترامب بانسحابه سيؤكد سيطرة ايران ليس على العراق فحسب، لكن على سوريا ولبنان أيضا وهذا يقتضي امريكيا ان يكون رئيس الوزراء القادم في العراق متخادماً مع المصالح الامريكية وضاغطا قويا تجاه ايران وسياساتها في العراق، ويكون الانسحاب طوعيا وفيه بدائل وضمانات ، ولهذا من المتوقع ان يبتع الزرفي مقاربة لهذا الصراع وادارته بشكل متوازن والا فان مصيره سيكون مثل العبادي او عبد المهدي ويدفع واشنطن الى :اما خيار تكثيف الغارات الأمريكية ضد أهداف ومصالح ايرانية في العراق، لإعادة ميزان الردع، وهذا الخيار يحمل نتائج الكثير من الضحايا والمخاطر وردود فعل سلبية في العراق، او عدم الخروج والقيام بعمليات إعادة انتشار، وتبني سياسة الدفاع، والضغط على الحكومة العراقية لكبح النفوذ الايراني وجماعاتها المسلحة في العراق.

 2- تحدي مواجهة خطر انتشار وباء كوفيد-19 ومايطرحه من اعباء فخطر هذا الوباء اشد من الفساد وداعش من حيث المواجهة لافتقار الدولة البنى الصحية القادرة على احتواءه وايضا عدم اكتراث جانب كبير من شرائح المواطنين بخطورة الوباء وعدم الالتزام باجراءات السلامة والوقاية والوعي الصحي اللازم مما يطرح تحدي فرض اجراءات حظر التجول ومحاسبة المخالفين ومنع التجمعات مما يضعها في قبال الحريات الدينية والشخصية وايضا توفير بدائل لفرض هذه الاجراءات.

3-التحدي الاقتصادي المتمثل بتراجع اسعار النفط والازمة العالمية وكل مايرتبط بتأمين الرواتب وعدم انهيار الوضع المالي للدولة والتزاماتها بسبب تداعيات وباء كوفيد١٩ العالمية من جهة،  والصراع النفطي السعودي الروسي في اوبك واستثمار امريكي في هذا الشأن، من جهة اخرى.

4- التحدي السياسي : المتمثل بقدرة المكلف ادارة المرحلة والازمة وكيفية اجراء انتخابات مبكرة خلال سنة مع محاسبة من اعتدى على المتظاهرين وكل هذا مرتبط بالقوى السياسية، التي لابد من مداهنتها بما يتعارض مع توجهات ومطالب المتظاهرين المتعلقة برفض الاحزاب والقوى السياسية ومحاسبتهم وعدم السماح لهم بالمشاركة السياسية ، في قبال توسيع ومشاركة المتظاهرين في صنع القرار السياسي وقدرتهم على تحريك الشارع واستقراره من عدمه .

5- تحدي مكافحة الفساد واحلال الاصلاح السياسي والاداري والاقتصادي في ظرف تتصارع القوى السياسية في الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها والحصول على المشاريع والعقود والاستثمارات، وهذا سيدخل المكلف في خانة الصدام مع تلك القوى او السكوت عن ممارساتها الفاسدة..

6- تحدي حصر السلاح بيد الدولة فامتلاك بعض القوى السياسية السلاح والمال والرجال يجعلها نافذه ومستفحلة في الميدان السياسي وبقية المفاصل الاخرى واخر شيء تفكر فيه هذه القوى تخلّيها عن سلاحها قد تتخلى عن المناصب لكن لن تتخلى عن السلاح وهذا يفتح احتمال الصدام والاقتتال والاستهداف وعدم الاستقرار،  او بقاء الحال على ماهو عليه : ابتلاع كل شي وشيوع حالة اللادولة.

7- تحدي ايجاد مقاربة مع اقليم كردستان فيما يخص المشاكل العالقة كاستحقاقات الموازنة والنفط والرواتب والبيشمرگة وكركوك وبقية المناطق المتنازع عليها اي مقاربة للحل لصالح الاقليم حتما ستكون مرفوضة من الوسط السياسي والشعبي الشيعي،  وستشجع المكون السني على المطالبة بمثل تفضيلات هذا التعامل او التمرد، اما العودة الى الدستور فسيفتح مسارات الانفصال والاقلمة ويفتح ابواب تغيير النظام السياسي برمته وتعديل الدستور او ماهو اوسع من ذلك.

ما يمكن ان يراهن عليه في مواجهة نسبية لهذه التحديات هو شخصية المكلف القوية والمتمرسة : امنيا يمتلك قدرات وخُبرات في المواجهة والتصدي، وسياسيا يمتلك ادوات التفاوض والمداهنة وموائمات قادرة على تفكيك النواة الصلبة للاحزاب والقوى وجرها لصالحه.

هذه الملامح والمؤشرات والخصائص تعامل بها المكلف على مستوى محافظة النجف وعمله السياسي برمته ونجح الى حدٍ ما خاصة في كسب ورقة تكليفه الان، فهل سينجح في استثمارها مرة اخرى على مستوى توليه رئاسة الحكومة العراقية في ظرف قلق وحساس يحتاج البلد لمثل هكذا ملامح وصفات وسياسات ؟.

شاهد أيضاً

السوداني يفتتح مصنع الصبّ المستمر في الشركة العامة للصناعات الفولاذية

الشرق اليوم– يفتتح رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء، مصنع الصبّ المستمر …