الرئيسية / الرئيسية / تحليل: معنى أن يهدّد “زعيم ميليشيا” رئيس الجمهورية

تحليل: معنى أن يهدّد “زعيم ميليشيا” رئيس الجمهورية

بقلم: زيد بن رفاعة

الشرق اليوم- قد لا يحدث في بلد من البلدان، مهما ضعفت حكومتها ودلهمت سياستها، أن زعيم ميليشيا يرتبط بدولة أجنبية، يُهدد رئيس الجمهورية، مثلما يحدث في العراق. فعندما يُقال إن أي قائد أو أمير حرب أقوى من رئيس الوزراء ورئيس الدولة، فهذا ليس ضربا من الخيال، ولا يُقال على المجاز، إنما حقيقة يُمارسها قادة الميليشيات داخل العراق في الحياة السياسية اليومية.

لا يجد المُتعب من أداء الحكومة حرجا عندما يشتم رئيس الحكومة وأي وزير من وزرائها، أو أي عضو من أعضاء البرلمان، ورئيس البرلمان، ورئيس الجمهورية، لكنه يحسب ألف حساب عندما يتقدم بشتم أحد قادة الميليشيات، أو شتم إيران، أو المقدسين لدى الأحزاب الدينية، كالخميني وخامنئي.

هذا ما حصل مع متظاهري كربلاء، فقد تجاوزوا الخط الأحمر عندما شتموا قاسم سليماني وأحرقوا صوره وصورة خامنئي وخميني، فما نعلمه أن البلدان المحتلة، مِن قِبل الاستعمار الغربي لها حق الهتاف ضد محتليهم، وهذا ما حصل مع الأميركيين في العراق، لكن بلدا محتلا مثل إيران، وهو أسوأ احتلال في تاريخ العراق، حيث النهب علانية وباسم الدين والمذهب، سيواجه القتل حتما، فحتى هذه الساعة يدفع الكربلائيون ثمن إهانة إيران ورموزها، وكذلك ما حصل مع المتظاهرين في المناطق الأخرى، من البصرة والعمارة والناصرية.

بهذه الجرأة تقدّم زعيم ميليشيا كتائب حزب الله العراق بتوجيه اللوم المبطن بالتهديد لرئيس جمهورية العراق، مذكرا إياه بفضل الولي الفقيه، والذي يسميه المهندس بولي المسلمين. حصل ذلك عندما رفض رئيس الجمهورية قبول مرشح الكتلة “الأكبر”، “الفتح”، وهي بطبيعة الحال كُتلة إيران، ورئيسها هادي العامري أحد أبرز أتباع إيران.

كان عذر الرئيس العراقي واقعيا، فإذا كان المتظاهرون وهم ألوف مؤلفة يرفضون مرشحا من الأحزاب الدينية، وهم قد تظاهروا لهذا السبب، فلماذا إذن يُستبدل رئيس وزراء جديد بآخر قديم، إذا كان رأي المتظاهرين، وهو رأي الشعب، لا يؤخذ بعين الاعتبار. هذا من جانب ومن جانب آخر، هناك عدم اتفاق بين الكُتل البرلمانية في قضية الكتلة الأكبر؟

لكن كل هذا يمكن نقاشه، والجدل فيه، إلا دخول أحد أمراء الحرب، وهو أبومهدي المهندس، الذي قُتل مع قاسم سليماني في مهمة إيرانية معروفة للجميع، على الرئيس، ويتحدث داخل اجتماع في القصر الجمهوري. من أين أتته هذه المنزلة وهذه القوة، إذا لم يكن يتكلم باسم الولي الفقيه الإيراني.

بعدها وصلت الأخبار أن الرئيس العراقي غادر إلى السليمانية، حيث عقر داره ودار حزبه، الاتحاد الكردستاني، بمعنى أن بغداد، التي تُهيمن عليها الميليشيات الإيرانية، وبمجندين عراقيين وقادة إيرانيين، لم تعد مأمونة حتى لرئيس الجمهورية، الذي يحرسه فوج رئاسي، وهو الذي يُعدّ رمزا للبلاد، وحامي دستورها.

لا نعرف، ما هو إحساس الرئيس، ومَن سمعوا بلوم أبي مهدي المهندس، وهو الإرهابي المعروف منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي، والذي تمنى أن يُقبر في التراب الإيراني، بينما لم يعملها قائد محتل مع أبناء البلد، فلم يُذكر عن تهديد لمحتل بريطاني وحتى أميركي لسياسي عراقي، مثلما تفعل إيران.

ماذا يُستشف مِن ذلك؟ يٌستشف أن السلطات العراقية الثلاث، لم تمتلك حقها حتى بالأمن، مِن دون الأمن الذي تمنحه لها إيران. فالكل يتذكر عندما ثارت التظاهرات ضد رئيس السلطة القضائية، سيء الأداء والمسيس للقضاء من أجل نوري المالكي، والمسؤول عن حماية الرؤوس الكبيرة من الفاسدين. لم يطمئن رئيس السلطة القضائية إلا بعد أن زاره رئيس ميليشيا كتائب حزب الله- العراق أبومهدي المهندس، ورئيس ميليشيا بدر هادي العامري، وأمام كاميرات الفضائيات، والمظاهرات مستمرة، ليقولوا له إنك محمي بنا، أي محمي بإرادة إيرانية.

كان رئيس العراق من الشجاعة، أن رفض هذا الأسلوب، وأخذ قضية المتظاهرين بنظر الاعتبار، وإذا كان عكس ذلك، فسينتهي كرئيس جمهورية، بل ينتهي كسياسي، والتاريخ في هذه الحال لا يرحم. فيكفي في تجارب سابقة أن هدّد قاسم سليماني الرئيس جلال طالباني، عندما قُدمت له أسماء أكثر من 170 عضوا في البرلمان، كي يعلن التصويت على سحب الثقة من نوري المالكي، في ولايته الثانية، وقد وصل العراق إلى حافة الهاوية وما زال عندها، لكن سليماني حسم الموقف لصالح نوري المالكي، ولم يُذع ذلك على الجمهور.

تُنبؤنا جرأة الميليشياوي أبومهدي المهندس أن العراق لم يعد دولة، وما تُسمى بالسلطات الثلاث ما هي إلا أدوات، قد لا تجد بينها موقفا كموقف رئيس الجمهورية برهم صالح، وبغض النظر إن كان الأخير مستقويا بالموقف الأميركي، لكن ذلك لا ينقص منه، وأفاعي الميليشيات تطوق ليس القصر الجمهوري بل المنطقة الخضراء بالكامل.

ظهرت قوة الميليشيات، وعمق الاحتلال الإيراني للعراق، من تداعيات مقتل قاسم سليماني، فأخذ تابوته الفارغ يدور على المدن العراقية، والبرلمانيون من الأحزاب الشيعية هتفوا “نعم نعم لقاسم سليماني”. فمعنى هذه النعم، غير أن سليماني كان والي العراق، من هذا نفهم موقف رئيس الجمهورية، وهو الموقف السياسي العراقي الأول، بعد 2003، بين العرب والأكراد السنة والشيعة، أن يقول لإيران: لا!

شاهد أيضاً

من هم المسيحيّون؟ رحلة عبر الطّوائف والانقسامات

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– “المسيحي”، بأسط التعريفات، هو أي شخص يؤمن بأن يسوع …