الرئيسية / مقالات رأي / إهمال إعمار جسور الموصل يمزق أوصال المدينة ويشل حركتها

إهمال إعمار جسور الموصل يمزق أوصال المدينة ويشل حركتها

بقلم: أحمد الملاح

قد تقف لنصف يوم في سيارتك لأجل عبور 305 أمتار وهو طول الجسر الأول الوحيد المعاد إعماره من خمسة جسور رابطة بين طرفيّ مدينة الموصل على نهر دجلة، نتيجة دمار كل جسور المدينة بالقصف الذي رافق عمليات استعادة المدينة من داعش، الأمر الذي فاقم معاناة الأهالي في المدينة، فما قصة الموصل مع الجسور؟

تقع مدينة الموصل في الشمال العراقي وتعتبر أول المدن الكبيرة العراقية التي يمر من خلالها نهر دجلة ليقسمها لشطرين شرقي وغربي فيما يقسم نهر الخوصر الموسمي شطرها الشرقي لنصفين أيضًا وصولاً لمصبه في نهر دجلة كرافد من روافده.

لم تكن مدينة الموصل في مطلع القرن العشرين بهذا الاتساع المترامي الأطرف بل كانت مدينة مترابطة جغرافيًا دون فواصل مائية تقع في الجانب الغربي لنهر دجلة، وتعتبر المناطق التي تقع شرق دجلة مناطق زراعية وقرى ترتبط بالمدينة بشكل جزئي عن طريق جسر القوارب العثماني على نهر دجلة الرابط بين تلك الأراضي ومدينة الموصل العاصمة الاقتصادية والسياسية لولاية الموصل العثمانية المتسعة الحدود، وجسر القناطر الحجري على نهر الخوصر الذي تم تشيده عام 1854.

الجسور في مدينة الموصل

بعد نشأة الدولة العراقية الحديثة والنمو السكاني في المدينة تم إنشاء أول الجسور الثابتة في الموصل على نهر دجلة وسمي باسم الملك غازي “العتيق” كما يسمى محليًا ويربط بين منطقة النصر والميدان وتم افتتاحه عام 1934 وتطورت المدينة تدريجيًا واتسعت عبر شقيها الأيمن والأيسر لتكون الحاجة متجددة لجسور إضافية، فظهر الجسر الثاني فالثالث والرابع والخامس فيما خطط لجسر سادس ولم ينفذ نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

على الجانب الأيسر للمدينة تم إقامة خمسة جسور صغيرة على نهر الخوصر الموسمي شرق الموصل وهي: “المثنى والسكر والزهور والسويس وسنحاريب” وجميعها رابطة بين أحياء حيوية في المدينة، إضافة لجسر القناطر الأثري الذي يعود للعهد العثماني.

صورة من الأقمار الصناعية تبين مواضع القصف الجوي على الجسور الخمس الرئيسية في الموصل

مع معركة استعادة السيطرة على مدينة الموصل وإخراج داعش منها قام طيران التحالف الدولي عام 2016 بسلسلة غارات متعددة أخرجت جسور المدينة – جميعها دون استثناء – الواقعة على نهري دجلة والخوصر عن الخدمة بنسب دمار مختلفة، مبررة ذلك القصف بمساعدة القوات على الأرض من خلال منع مقاتلي داعش من استخدام الجسور للتحرك بحرية خلال المعركة.

واقع الجسور اليوم بعد عامين من نهاية المعركة

ألقت كارثة العبارة التي ذهب ضحيتها 200 موصلي بين غريق ومفقود الضوء على الواقع الخدمي في مدينة الموصل الخارجة من معركة طاحنة قبل عام وثمانية أشهر، فأهالي المدينة الذين يعانون بشكل يومي نتيجة الإهمال الحكومي رفعوا أصواتهم للمطالبة بإعادة إعمار الجسور الرئيسية في المدينة، حيث وعد وزير الإعمار العراقي عبر حسابه على تويتر منذ أشهر أهالي الموصل بحل المشكلة والشروع بإعمار جسري الثالث والرابع وللأسف لم ينفذ شيئًا إلى الآن.

فالمدينة التي يقطنها مليونا نسمة ويستخدم شبكتها في النقل مليونا آخرين من ريفها، تعاني اليوم من انقطاع الجسور وعدم إعمارها، فلم يتم إنجاز إعمار الجسور الرئيسية في المدينة باستثناء الجسر الأول “العتيق” وهو أصغر الجسور الخمس وأقلها قدرة على الاستيعاب، بينما وضعت مجسرات حديدية مؤقتة على الجسر الرابع لغرض العبور، إضافة لجسرين عائمين وضعا من هندسة الجيش لتخفيف الزخم الحاصل على الجسر الأول، وهما جسرا النصر والحرية.

مع بداية فصل الربيع وما يحمله للموصل من خير عادة، حمل هذا الربيع الكثير من مياه الأمطار ليرتفع منسوب مياه دجلة مسببًا انهيار السور العائمة لتتفاقم أزمة النقل بين جانبي المدينة، فيما سقط جسر القناطر بعد أقل من عام على إعادة افتتاحه بعد حملة إعمار كان يفترض أن تكون مراعية للشروط الهندسية.

معاناة متعددة الوجوه

تقف عشرات عجلات نقل البضائع عالقة في جانبي المدينة بسبب انهيار الجسور العائمة وغياب إعمار الجسور الكبيرة في الموصل، يقول أبو علي وهو سائق شاحنة نقل من أهالي بغداد لنون بوست: “أنا عالق منذ أيام مع العشرات من سائقي الشاحنات في الموصل نتيجة انهيار الجسر العائم، وهذا أمر غير منطقي بعدم توفير بدائل من الحكومة”، ويكمل أبو علي: “بعضنا يحمل بضائع من الممكن أن يصيبها التلف وهي خسائر مالية كبيرة للتجار وشركات النقل، حتى الطعام لدينا نفد ونعتمد الآن على ما يقدمه الأهالي من طعام وشراب وننتظر حل مشكلتنا”.

وعلى صعيد متصل قال عبد الله وهو صاحب محل لبيع العدد اليدوية في منطقة النبي شيت في الجانب الأيمن: “لم يعد يصلنا أحد من الزبائن القادمين من الجانب الأيسر بسبب صعوبة العبور وهذا أثر كثيرًا على مبيعاتنا الضعيفة أصلاً بعد الحرب، ومن غير المنطقي ترك كل هذه الناس على جسر واحد صغير”.

وعن معناة الطلاب في جامعة الموصل يتحدث خالد الطالب في كلية الهندسة قائلاً: “أغلب الأيام اضطر للنوم في منزل عمتي القريب من الجامعة لأن العبور لمنزلي في الجانب الأيمن والعودة قد يكلفني الكثير من الوقت الذي يفترض أن أقضيه في الدراسة”، ويكمل خالد: “كثير من الطلاب يضطرون للغياب المتكرر خلال الشهر نتيجة صعوبة النقل والزحام المروري الشديد الذي يجعل الذهاب اليومي للجامعة أشبه بعملية سفر إلى مدينة أخرى”.

وتستمر هذه المعاناة رغم الإطاحة بمحافظ نينوى نوفل العاكوب من البرلمان بتهم تتعلق بالفساد وسوء الإدارة وتكليف رئيس الوزراء خلية أزمة بإدارة المحافظة لحين انتخاب محافظ جديد من مجلس المحافظة المتهم أيضًا بالتستر على الفساد في المدينة وفق تصريحات لنواب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى.

المصدر: نون بوست

شاهد أيضاً

هدنة الفرصة الأخيرة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عودة الحديث عن إطلاق المفاوضات بشأن التوصل …