الرئيسية / مقالات رأي / جيش قوي يعني عراق أقوى!

جيش قوي يعني عراق أقوى!

بقلم: اللواء المتقاعد حسين أحمد

في كثير من الأحداث السياسية والانقلابات التي عاشها العالم منذ فترات طويلة. لعبت المؤسسة العسكرية دوراً مهماً في الحفاظ على هيكل الدولة ووجودها، وأمنت الفترات الانتقالية للحياة السياسية فيما بعد. لذلك يعتبر كثير من الخبراء السياسيين والعسكريين أن قوة المؤسسة العسكرية والمنصب السياسي المرتبط بها “حقيبة وزارة الدفاع” يلعب دور صمام الأمان بالنسبة للدولة والشعب، وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه في العراق اليوم.

منذ الإعلان عن تسمية عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء في أكتوبر 2018، لم يستطيع الرئيس حسم الخلافات المتعلقة ببعض الحقائب الوزارية، ومن أهمها الدفاع والداخلية. وأتوقع أن الرئيس لا يعلم أيضا حجم وشكل المساومات التي تحيط بهذه المناصب السيادية، وربما أيضا لا يدرك أن الصراع على حقيبة وزارة الدفاع تحديدا صراعُ مسموم، ويخفي ورائه مطامع شخصية بعيدة كل البعد عن مصلحة العراق.

أتوقع أن غياب الرئيس عن مجريات التسوية على حقيبة وزارة الدفاع، سيعقد المشهد أكثر وأكثر، فضلاً عن الضرر الذي سيلحق بمستقبل الدفاع والأمن في الدولة. والكل يعلم أن هناك مفاوضات جارية بين قائمة علاوي، والكتل السنية الأخرى من أجل الاتفاق على شخصية معينة من بين المرشحين لمنصب وزير الدفاع، لكن المخفي حول شكل الصراع والمفاوضات حوله هو الأخطر.

مشهد الصراع على حقيبة وزير الدفاع ينحصر بين أربعة أطراف. أولها إياد علاوي، الذي لا يمتلك قاعدة سياسية عريضة في البرلمان، حيث أنه يحظى بدعم نائبين اثنين فقط، لكنه يعتبر نفسه زعيماً، لذلك لا يتفاوض مع أي طرف سياسي، بل يختصر الموضوع في مفاوضاته مع الأسماء المرشحة والراغبة في منصب وزير الدفاع على المبلغ المالي، الذي سيحصل عليه في حال تسمية المرشح وزيراً للدفاع. ثانيها، صالح المطلق، الذي يفتقد للمركز السياسي القوي، ولكنه ما زال محتفظاً بعلاقاته واحترامه من بعض الأطراف السياسية.

أما التفاوض الفعلي فهو بين كتلة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وبين كتلة السُنة المنسحبون عن إياد علاوي، بمحورية “مثنى السامرائي” الذي يدفع بفكرة أن وزارتي التجارة و الشباب للحلبوسي لذلك لا يسمح له بأخذ حقيبة الدفاع.

التنافس على حقيبة الدفاع بين هذين المحورين (الحلبوسي والسامرائي)، ليس تنافساً شريفاً فهو عبارة عن بورصة لا تؤمن ولا تحترم الوطن ومستقبله، ويخضع لكثير من المساومات، التي باتت واضحة للجميع، إذ أن الحلبوسي المتمسك بوزارة الدفاع، يعرض على السامرائي وزارة التربية والتعليم، مقنعاً إياه بأنها مصدر عائد له ولنشاطه التجاري المرتبط بقطاع الأوراق والأحبار والطباعة، وفي نفس الوقت يقدم ضماناته لإعاقة مرشح المشروع العربي للتربية والتعليم.

هذه التسويات والمساومات يقودها رئيس مجلس النواب، رئيس السلطة التشريعية، التي من المفروض أن تكون السلطة الرقابية على السلطة التنفيذية، تضعف من دور المجلس، ولا تخدم أي طرف إلا هؤلاء الأشخاص أنفسهم، فهل هذا ما نريده فعلاً؟

قد نتفهم أن هناك خلافاً على وزارة ما، كما حصل على وزارة الداخلية، هذا الشيء يمكن قبوله لأهمية الوزارة، وهذا الخلاف ممكن أن يحصل في أي بلد، ولكن الخلاف هنا يكمن في طريقة التسوية الحاصلة بين هؤلاء الذين يحاولون الاستيلاء على الوزارة ومقدراتها.

الجدل الدائر اليوم حول من يقود وزارة الدفاع، ليس جدلاً حول الكفاءة وحول الأهلية والخبرات، بل هو جدل عقيم يتجلّى في الصراع على المنصب. وهذا الوضع هو من قادنا إلى سقوط محافظة بحجم الموصل في يدي تنظيم إرهابي خلال ساعات. ولم نستطع استعادتها وتحرير الأراضي العراقية من داعش إلا بفتوى دينية ومساعدات خارجية عسكرية وأمنية واستخباراتية، وتشكيل قوة عسكرية داخل العراق، لا نعرف كيف سنتعامل معها مستقبلاً؟

يعرف الجميع أن الفضل الأول لدحر تنظيم داعش، هو لمجتمع المناطق المحتلة من قبله التي رفضت أفكاره و الانسجام مع مشروعه، يتوج ذلك الجيش والشرطة الاتحادية والحشدين الشعبي والعشائري إضافة إلى الدعمين الدولي والإقليمي.

كنا نأمل أن يكون هذا النصر من صنيعة المؤسسة العسكرية ، المؤسسة الوطنية التي نأمل أن تكون في يوم من الأيام هي الواجهة العسكرية الوحيدة في البلد. لكننا لغاية الآن لا نملك هذه المؤسسة، والأسباب كثيرة، أولها، غياب الإرادة السياسية لعزل منصب وزير الدفاع وقادة الجيش عن الصراعات السياسية. أما السبب الثاني فهو عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، فنحن نختار الأضعف للمنصب الأقوى كي يسهل على الساسة التحكم بهذا الضعيف.

التتبع للشخصيات التي تسلمت حقيبة وزارة الدفاع المناط بها تولي شؤون الدّفاع عن الدّولة، والتي تأسست عام 1921، وتتبع لها 62 مديرية، يقودنا حتماً لملفات فساد متغلغلة في الوزارة، تتمثل في مُقدرات منهوبة تُخصصها وزارة الدّفاع، لمنتسبيها من منح وسفر، وصفقات تسليح من الباطن، وهدر للمال العام، لتكون النتيجة فشل واضح لا يحتاج إلى أدلة في مواجهة الإرهاب والتنظيمات منذ عام 2006 وحتى الآن. ولا يجب أن ننسى ونحن نتحدث عن هم وطني كبير، ما تم كشفه سابقاً، عن وجود 50 ألف اسم وهمي في سجلات الرواتب بوزارة الدفاع.

بعد كل ما تقدم، أناشد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن يطّلع على الخلافات والإشكالات حول وزارة الدفاع، ويحاول الوصول إلى حل أو أن يقوم بتقديم استقالته، أو يصبح “دكتاتوراً” ويمتلك إرادة سياسية وطنية ويقوم بتعيين وزيراً للدفاع وفقاً للكفاءة والخبرة ويكمل بذلك كابينته الوزارية ويمضي البلد إلى همومه.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …