الرئيسية / مقالات رأي / متى يستعيد العراق هويته العربية المخطوفة

متى يستعيد العراق هويته العربية المخطوفة

بقلم: د. ماجد السامرائي

ليس من السهل إبقاء العراق في عزلة عن امتداده الحقيقي العالم العربي، وهو امتداد أنتجه التاريخ الواحد والجغرافيا وحفظه البشر، على الرغم من جسامة الهزة التي تعرض لها بنيان هذا البلد منذ عام 2003 باحتلاله المزدوج عسكريا وسياسيا من الولايات المتحدة وإيران. فالعسكر والسياسة يمكنهما تغيير الأشكال والنظم والفعاليات السياسية، لكن موضوع البنيان والشخصية والهوية ليست طيفا عابرا يمكن إزاحته، إنه واحد من مرتكزات وجود العراق مثلما تعتز إيران بوجودها وهويتها الفارسية.

ولم يتمكن المدّ الطائفي الذي اجتاح هذا البلد وقاده نظام ولي الفقيه في طهران من اقتلاع الجذور العميقة لعروبة العراق. سبق للخميني أن أعلن خلال عودته من باريس إلى طهران في العام 1979 “لقد جاء الوقت ليقود الفرس العالم الإسلامي”، وهذا يعني جوهر تلك الدعوة القومية التوسعية، ولكنها رغم نبرتها العالية لم تتمكن رغم مرور أربعين عاما من تحقيق هدفها في العراق وتراجعت بسبب صمود شعبه بجميع طوائفه إلى درجة اعتراف السفير الإيراني السابق في سوريا، محمد رضا الشيباني، بهزيمة هذه النظرية في مداخلته قبل أيام بملتقى السليمانية الذي نظمته الجامعة الأميركية في كردستان العراق من خلال قوله إن “بلاده لا تدعم سياسة التمثيل الطائفي، وأن الشيعة في المنطقة أقليّة، وأي صراعات دينية طائفية ليست في صالح الأقليات، وأن إيران لا تدعي تمثيل الشيعة”. لكن هذه الشعارات الدبلوماسية التمويهية التي يتقنها ملالي إيران في هذه الفترة لا تلغي ولا تغطي على حقيقة السياسات والبرامج المنتظمة التي كبلت معصم العراق بقيود العزلة عن عالمه العربي، واستخدمت بعد هيمنتها السياسية على نظام الحكم بعد عام 2005 مختلف الفعاليات لحصر العراق داخل قفص بوابته مفتوحة على إيران فقط.

في سنوات الاحتلال الأولى للعراق كان يوجد تكامل ما بين السياستين الإيرانية والأميركية في النوايا والأهداف مع اختلاف الوسائل والأدوات. فقد سبق للحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، أن قال “إننا أنهينا حكم ألف عام للسنة في العراق”، في مخادعة طائفية مقصودة ضد التاريخ العربي الإسلامي في العراق مكملة ومتناسقة مع المواقف والدعوات الإيرانية، كالقول الشهير لمستشار الرئيس حسن روحاني، علي يونسي “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية وعاصمتها بغداد”، ومع ذلك فإن خمسة عشر عاما من فرض العزلة على العراق لم تتمكن من إلغاء هويته وهي ليست طويلة في معايير التاريخ رغم تأثيراتها وأضرارها المباشرة على أهل العراق.

المطلوب من المسؤولين العراقيين تبني استراتيجية عودة حقيقية للعراق إلى حضنه العربي تتجاوز حدود التجارة إلى ميادين اقتصادية… وإزالة الشكوك المصطنعة بأن العرب لا يريدون الخير للعراق.

سعت إيران إلى وضع عقبات سياسية ولوجيستية لمنع تواصل العراقيين مع أشقائهم باستثمار المزاج العراقي في رفضه للاحتلال الأميركي فأوحت، بذكاء، أن العرب هم الذين سهلوا للقوات الأميركية مهمة دخول العراق في إخفاء متعمد لصفقاتها التي تمت مع واشنطن لتسهيل مهمة تلك القوات في العراق، وحين وجدت أن تلك الورقة الدعائية لم تحقق أهدافها استثمرت ورقة ربط الإرهاب ببعض بلدان الخليج العربي، وما زالت الزعامات العراقية المفتخرة بولائها لنظام ولي الفقيه في طهران تثير الشكوك ضد هذه الأنظمة، كما تعتبر إيران أن أي محاولة للانفلات من هذا القيد وعودة العراق إلى محيطه الطبيعي ستبطل الكثير من برامجها الطائفية الضيقة داخل هذا البلد، خصوصا في الشارع الشيعي الذي تعتقد بأنه مجالها الحيوي رغم الكثير من الأمثلة التي عبر عنها أبناء العراق في الوسط والجنوب عن انتمائهم العروبي، وكذلك بعض الرموز الدينية العراقية التي لم تتردد في التعبير عن هذا الانتماء والتواصل مع بعض البلدان العربية.

الدول العربية الغنية هي التي أطلقت دعوات عودة العراق ودعمه وأعلنت عن مساعدتها للعراقيين للنهوض مجددا، ولم يكن أمام هذه البلدان سوى القنوات الدبلوماسية للتعبير عن تلك الرغبات الجادة، لكن خطابات مسؤولي الحكومات العراقية ما بين 2006 و2014 لم تتجاوب مع تلك الرغبة الصادقة بسبب خلفيات طائفية ضيقة وتعبير عن تجاوب مع سياسة طهران.

بعد مجيء حكومة عادل عبدالمهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي بدا أن هناك تناغما بين هؤلاء المسؤولين الثلاثة على إطلاق خطاب إعلامي إيجابي لانفتاح العراق على عمقه العربي.

لكن ظروف احتلال تنظيم داعش للعراق في العام 2014 كشفت زيف الإعلام المغرض بمنابع الدعم لهذا التنظيم الإرهابي، وأن مصادره والخارطة الجغرافية له انطلقت من داخل سوريا والعراق بصورة مباشرة، ودفعت هذه التجربة القاسية في مواجهة داعش رئيس الوزراء السابق  حيدر العبادي إلى التشبث بالدعم العربي لبلده رغم الحملة التي واجهها من قبل الأحزاب المحلية، وحقق زيارة مهنية للمملكة العربية السعودية أنتجت مجلس التنسيق السعودي العراقي قوبلت بانفتاح مبرمج من السعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين على بغداد عبر عنها الدعم المالي السخي في مؤتمر إعمار الكويت العام الماضي الذي امتنعت إيران عن المساهمة فيه، فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني المستقيل محمد جواد ظريف عن رغبة بلاده في أن تكون لها الأولوية في إعادة الإعمار.

وبعد مجيء حكومة عادل عبدالمهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي بدا أن هناك تناغما بين هؤلاء المسؤولين الثلاثة على إطلاق خطاب إعلامي إيجابي لانفتاح العراق على عمقه العربي لأن بين أيديهم الملفات العراقية الحرجة وفي مقدمتها ملف إعادة الإعمار، ويعلمون أن خطابات الأحزاب الموالية لإيران لا تضع أولويات حاجة العراق في حساباتها، ويعرفون أن العراق ليس أمامه سوى اللجوء إلى أشقائه في حملة إعادة الإعمار فلا الولايات المتحدة ستقدم الأموال ولا إيران. وهذه الفعاليات الإعلامية للرئاسات الثلاث ستبقى محصورة في حيز الفضاء الذي تتحرك فيه ويمكن أن تصبح في مهب الريح، ونتذكر كيف جوبهت زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشكوك كثيرة ترافقت مع توقيع الاتفاقية التجارية بين البلدين.

المطلوب من المسؤولين العراقيين تبني استراتيجية عودة حقيقية للعراق إلى حضنه العربي تتجاوز حدود التجارة إلى ميادين اقتصادية كالطاقة والإعمار والتنمية والتعليم والصحة والثقافة والفنون، وفتح أبواب الاستثمار، وإزالة الشكوك المصطنعة بأن العرب لا يريدون الخير للعراق، لأن العرب أصحاب القدرات المالية، على العكس من ذلك، سيوفرون كل إمكانياتهم لأشقائهم في العراق.

ولا بد من أن تتحول عودة العراق إلى محيطه العربي إلى منهج سياسي وإعلامي تحاصر من خلاله الدعوات الانعزالية الضيقة. لا بد أن يعلو النداء الصادق بأن “لا تخافوا من العرب لأنهم أهلكم” على نعرات التشكيك والتخويف من العرب، وأن يكون الحذر كل الحذر من الغرباء الذين لا يريدون الخير لأهل العراق.

المصدر: العرب اللندنية

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …