الرئيسية / مقالات رأي / الولايات المتحدة تجرب سياسة القلق في سوريا والعراق

الولايات المتحدة تجرب سياسة القلق في سوريا والعراق

بقلم: حامد الكيلاني

الفصائل الكردية في الشمال السوري تحت مختلف عناوينها السياسية والمسلحة وبعيدا عن المواقف الدولية والإقليمية منها حتى مواقف النظام الحاكم التي بدت متعالية في الخطاب الأخير لبشار الأسد، تساهم بعدم استسلامها ومواصلتها القتال ضد تنظيم داعش وجيبه المتبقي في منطقة الباغوز في الإفصاح عن أهدافها بما قدمته من تضحيات بين صفوف مقاتليها ومنهم عناصر نسوية بأعداد لا يستهان بها في مشاركة صريحة وفاعلة وليست رمزية كما يحاول أن يصور بعضهم للتقليل من أهمية تواجد تلك العناصر في ساحات المعارك بتشتيت الأثر الإعلامي البالغ الذي يسلط الضوء على حقيقة طالما تعرضت لمزايدات وأهواء متباينة.

حقيقة نعني بها قضية الأمة الكردية التي تريد أن توصل رسالة مفادها الاعتراف بنضال الأسرة الكردية في بيتها على الأرض السورية، حالها حال حركات المقاومة الإيرانية في نضالها الإنساني العابر فوق الاحتكار الذكوري للكفاح المسلح، أو في أمثلة تجارب عالمية متعددة مازالت عبرة وقدوة لأي نداء خلاص من وطأة الظلم والتعسف.

المطالب الكردية في سوريا تتناغم مع طبيعة المطالب في إيران وتركيا والعراق، وإن كان الأكراد في العراق في ظروف أفضل بحكم التجارب التي عصفت بالأكراد وأحزابهم أو فصائلهم المسلحة خلال الصراع  مع حكومة المركز لعقود طويلة، أو التي عصفت بالعراق وما تخللتها من تفاهمات يبدو أنها كانت متقدمة بعلاقات وقوانين في مقدمتها قانون الحكم الذاتي أو ما حصل بعد حرب سنة 1991 بإقامة المنطقة الكردية الآمنة بالقرارات الدولية وبحظر تحليق سلاح الجو. منطقة توفرت لها مقومات قيام الدولة الكردية المستقلة ولو شكليا لغاية الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 وهي فترة ليست قصيرة أدت إلى تفاوت الاستقرار الأمني والبناء والإعمار إلى يومنا هذا بين الإقليم وعموم المحافظات في العراق.

النداء الكردي في سوريا يتوجه إلى طلب الحماية من دول الاتحاد الأوروبي لتأمين بقاء دورهم بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، وهو قرار يأتي منسجما مع توجهات ترامب في حملته المبكرة لدورة رئاسية ثانية، لكنه لم يلق تأييدا من القيادات العسكرية واستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس كانت رد فعل تجاه قرار يتناقض مع السياسة الخارجية المعلنة للرئيس ترامب بما تفترضه من تناقض وإلغاء لإخفاقات الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما.

سياسة دونالد ترامب تقوم على مبدأ عدم التبذير في الاقتصاد الأمريكي أو بالدماء الأميركية.

قرار الانسحاب من سوريا ترك مساحة تدعو إلى القلق من الموقف الأميريكي عند أوروبا، وظهر جليا في كلمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما وصفت الانسحاب بما يشبه اللغز الذي يضع التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب على مسافة من تحديد الواجبات العسكرية أو التخطيط لها لعدم وضوح الرؤية الأميريكية من البقاء أو تأجيل الانسحاب أو مصير الفصائل الكردية المسلحة أو أنها مجرد مناورات أميركية على صعيد السياسة الخارجية.

تبعات القلق أشد وطأة على الفصائل الكردية بما يعطي الانطباع أنها أدوات لمن يحميها، رغم أنها مضت في حربها ضد إرهاب داعش إلى آخر الشوط من أجل تثبيت أهدافها في الإدارة الذاتية للمناطق الكردية ضمن الدولة السورية، مقابل تضحيات مقاتليها ودمائهم رغم معرفتهم بالتجريب القريب لإمكانية تخلي الولايات المتحدة عنهم، أو استمرارها في استخدامهم ضمن مقاربات سياساتها مع تركيا وإيران وروسيا والاتحاد الأوروبي وأيضا في جرد الحسابات بين إدارة ترامب ومناوئيه في مجلسي النواب والكونغرس.

عرفتهم بالتجريب القريب لإمكانية تخلي الولايات المتحدة عنهم، أو استمرارها في استخدامهم ضمن مقاربات سياساتها مع تركيا وإيران وروسيا والاتحاد الأوروبي وأيضا في جرد الحسابات بين إدارة ترامب ومناوئيه في مجلسي النواب والكونغرس.

سياسة دونالد ترامب بدعائمها الأساسية تقوم على مبدأ عدم التبذير في الاقتصاد الأمريكي أو بالدماء الأمريكية، فأميركا لديه أولا، وذلك لن يكون إلا بسياسة أمريكا “بزنس أولا” بدلالة الحرب على الإرهاب وتحديدا في العراق حيث خسائر القوات الأمريكية بالأرواح تكاد لا تذكر، ومن قتل منهم كان بحوادث عرضية بعضها لوجستي وغير قتالي، أما سلاح الجو ومساهمته في الحرب فهو خاضع في واجباته ومديات تحليقه ونوعيته لضمانات شبه مطلقة بعدم قدرة الأسلحة الأرضية على استهدافه.

إيران تحاول التقرب من إقليم كردستان

أي إن واجبات القوات الأمريكية تندرج ضمن التدريب والمساعدة في رسم الخطط داخل غرفة العمليات المشتركة إضافة إلى الرصد الفضائي وإدارة شبكة الاتصالات والمعلومات، وهي أعمال بمجملها للإسناد حتى في ما يتعلق بواجبات سلاح الجو، وعلى هذا السياق جرت المعارك لإخراج ودحر تنظيم داعش في مدن صلاح الدين والأنبار وما يحيطها من أقضية ونواح وقرى صعودا إلى كارثة “تحرير” الموصل.

القوات الأمريكية استخدمت وتخادمت في التغطية الجوية مع أهداف المشروع الإيراني في تدمير المدن عندما كانت فصائل الحشد الطائفي تتربص بالمشهد السياسي في العراق بسياسة التبذير بدماء العراقيين وتدمير مدنهم تحت مبررات التحرير، ومنها تبذير حياة هؤلاء البسطاء الذين اندفعوا تحت منهجية فتوى المرجعية المذهبية ليكونوا وقودا لاحتلال قادة الميليشيات الإيرانية لمعظم مقاعد البرلمان.

المقاتلون الأكراد في سوريا لديهم حقوق يطالبون العالم بالاعتراف بها، وهي حقوق مسلوبة منذ العام 1916، ويتأرجحون في ولاءاتهم من أجلها باتجاه الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى النظام الحاكم في دمشق، وذلك ما يجعلهم في المرحلة المقبلة موضع تأييد دولي نسبي ولن يكون التأييد حاسما بسبب الموقف التركي، لأنهم استجابوا لمطالب الحرب على الإرهاب والقضاء على داعش للنأي بأنفسهم عن تهمة الإرهاب، وهي تضحيات سوف لن يتم إنكارها في أي دولة سورية قادمة.

النظام الإيراني يسعى جاهدا في العراق للتقارب مع إقليم كردستان ويخطط للمزيد من التنازلات تحت سقف الإجراءات التي رافقت الاستفتاء وبالذات الإيقاع بين الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني) في أحداث كركوك، ليترك لكليهما حرية الحركة وما قد ينتج عنها من إزاحات أو اصطفافات داخل الإقليم أو المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك بما ينذر برغبة إيرانية في خلط الأوراق وصناعة الفوضى في العراق تحسبا لسياسة أميركية لا تعتمد التبذير في المواجهات العسكرية أو الاقتصادية، وذلك ما يرسم شكل الصراع بين الولايات المتحدة وإيران في العراق.

إقليم كردستان بالنسبة لإيران يمثل بابا لكسر العقوبات بالتهريب أو بالتبادل التجاري من المنافذ الحدودية، ولجبال كردستان تاريخ في تهريب البضائع أو الأسلحة، لكن الإقليم لن يفرط في الدعم الأميركي في المواقف أو الإعمار أو بترصين الأمن في الإقليم أو بتأثير علاقته بالولايات المتحدة من أجل الإبقاء على دعم الفصائل الكردية في سوريا في حالة انسحاب القوات الأميركية أو تأجيل انسحابها.

لقاء رئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي بقائد القيادة المركزية الأميركية، جوزيف فوتيل، أسفر عن تصريح إعلامي رسمي تداول خروج القوات الأميركية من سوريا دون التطرق إلى مصير وجود تلك القوات في العراق مكتفيا، أي التصريح، بالطلب من الولايات المتحدة دعم العراق في مجال الأمن والإعمار، بما يضع العراق في زاوية قلق الانسحاب الأميركي كما لو كان دولة فصائل مسلحة ترجو أن يكون لها موطئ قدم على أرضها عند نهاية الحرب المفتوحة على الإرهاب.

المصدر: العرب اللندنية

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …