الرئيسية / عام / مسرحية “ممانعة” جديدة في البرلمان العراقي

مسرحية “ممانعة” جديدة في البرلمان العراقي

بقلم: فائق الحسن

عاملان أساسيان كان لهما الدور الأكبر في الحملة الدعائية الكبيرة التي شنتها عصابات الحشد الشعبي للمطالبة بإخلاء القواعد الأميركية في العراق، هما الضغوط الأميركية على إيران، وإعلان الولايات المتحدة البدء بسحب قواتها الموجودة في سوريا.

الدعوات التي أطلقتها تلك العصابات، والأحزاب التي تشكل واجهات سياسية لها، للتظاهر ضد الوجود الأميركي في العراق قوبلت برد باهت تمثل بتجمعات قليلة العدد لم تلق كثير انتباه، في ظل انشغال الناس بمشكلات الحياة اليومية وإدراك كثير منهم أن هذه الدعوات لن تتطور إلى تحركات جادة، وأنها لا تتعدى كونها للاستهلاك الإعلامي وتلبية للمطالب السياسية الإيرانية.

حاول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التخفيف من وقع الصدمة التي أعقبت قراره الانسحاب من سوريا بزيارته للجنود الأميركيين في قاعدة عين الأسد وإعلانه أن الوجود الأميركي في العراق سيسمح باستمرار العمل على الأهداف الأميركية التي بات إنهاء الوجود الإيراني في سوريا من أبرزها، وهذا الأمر ربما أوحى لساسة إيران باستهداف هذا المرتكز الأميركي باستخدام العصابات المسلحة التي تسيطر على حكم العراق اليوم، ويعمل أكثرها كفصائل تابعة للحرس الثوري الإيراني.

يتضمن تخطيط الانسحاب الأميركي من سوريا توجيه القوات المنسحبة للتركز في القواعد الأميركية الموجودة في العراق وإقليم كردستان، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عدد القوات الموجودة في هذه القواعد بقرابة 3000 جندي إضافي، كما أنه سيؤدي إلى استمرار التضايق الإيراني من انتشار القواعد الأميركية في جوارها، وخاصة التي قد تشكل خطرا على مشروع الممر الاستراتيجي إلى سوريا كقاعدة عين الأسد في الأنبار، أو التي قد تحد من قدرة عصابات الحشد الشعبي على تكرار ما حدث في كركوك عندما أقدمت على طرد قوات البيشمركة وإخضاع المنطقة لنفوذها، وحرمان حكومة الإقليم من عوائدها النفطية.

لا يمكن عزل هذا التحرك المفاجئ من العصابات المؤتمرة بأمر طهران عن قضية الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة التي ألغت الاتفاق النووي وبدأت بتطبيق العقوبات التي تستهدف الاقتصاد الإيراني

وكانت عصابات الحشد الشعبي قد أبدت غضبها من الصور التي نشرها ناشطون على شبكة الإنترنت لأرتال عسكرية أميركية تتجول في مناطق غرب العراق، وإطلاق إشاعات بقرب انتشار أميركي في كركوك يساعد الأحزاب الكردية على العودة إلى المدينة بعد طردها منها قبل أكثر من عام، الأمر الذي يقلل من أهمية اتفاقية “التعاون الاستراتيجي” التي وُضعت لتحجيم الانتشار الأميركي في العراق وحصره داخل القواعد العسكرية، وتضمنت أن “على جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة الانسحاب من المدن والقرى والقصبات العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 يونيو عام 2009 ميلادي، وأن تتمركز قوات الولايات المتحدة المقاتلة المنسحبة في المنشآت والمساحات المتفق عليها التي تقع خارج المدن والقرى والقصبات”.

طرح مشروع قانون “إجلاء القوات الأجنبية” لابتزاز للولايات المتحدة لكف ضغوطها على حكومة عادل عبدالمهدي بخصوص علاقاتها مع إيران.

ولذلك فإن ضغوط الأحزاب الموالية لإيران قد يكون هدفها إلزام الجيش الأميركي بالعودة إلى قواعده، في ظل ظهور عصابات الحشد الشعبي بمظهر العاجز أمام أتباعه ومؤيديه عن تقييد حركة الجيش الأميركي، في وقت يعلن فيه أن له اليد العليا في العراق، خاصة بعد اللامبالاة الواضحة التي أظهرها الرئيس الأميركي بالحكومة التي تهيمن عليها تلك العصابات من خلال أحزابها، والتي تجلت بزيارته السرية والخاصة إلى إحدى القواعد العسكرية ولقائه بجنوده، ثم المغادرة دون إجراء أي لقاء، بل دون إخطار حكومة بغداد بشكل مسبق بموعد الزيارة ووجهتها.

ولا يمكن عزل هذا التحرك المفاجئ من العصابات المؤتمرة بأمر طهران عن قضية الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الأخيرة من قبل الولايات المتحدة التي ألغت الاتفاق النووي وبدأت بتطبيق العقوبات التي تستهدف الاقتصاد الإيراني والقطاعات التي يستفيد منها النظام في توسيع نفوذه الخارجي.

كما لا يمكن عزله أيضا عن المطالبات الأخيرة من واشنطن لحكومة بغداد بالالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران، حيث يشكل العراق إحدى أهم نوافذ التهرب الإيراني من مفعول العقوبات التي بات تأثيرها يظهر على الاقتصاد الإيراني.

وبالتالي لا يستبعد أن يكون طرح مشروع قانون “إجلاء القوات الأجنبية” من قبيل الابتزاز للولايات المتحدة لكف ضغوطها على حكومة عادل عبدالمهدي بخصوص علاقاتها مع إيران.

وبالرغم من إعلان الجهات التي تقف وراء طرح هذا المشروع أنها ستحصل على موافقة أغلبية أعضاء البرلمان عليه، وهذا متحقق بحكم موافقة كتلتي “البناء” و”سائرون” وخضوع أغلب الكتل السياسية لسلطة إيران والعصابات المسلحة التابعة لها، شكك البعض بتحقق طرحه للتصويت لكون البرلمان سيدخل خلال الأيام القادمة في عطلة تستمر شهرا، ما يؤجل إمكانية طرحه حتى مطلع شهر مارس القادم.

ومن جهة أخرى فإن بعض الخبراء ذكّر بصعوبة إقرار قانون يجبر القوات الأميركية على الانسحاب من العراق، في ظل الاعتماد الكلي للجيش العراقي على القوات الأميركية في إسناد عملياته وتقديم الدعم المعلوماتي واللوجستي، واعتماده في التسليح على المصادر الأميركية، مع ما يرتبط بذلك من عقود إمداد وصيانة وتدريب، وكذلك فإن الحكومة العراقية مدينة بالمليارات من الدولارات للولايات المتحدة ثمنا لصفقات تسليح، ولن يسرّها أن تطالبها بالديون والفوائد في ظل غرقها في مستنقع الديون والعجز الكبير في ميزانيتها والوعود الكبيرة التي أطلقتها بتحسين الواقع الخدمي والمعيشي للسكان.

وبشكل متزامن لهذه الأحداث تصدر تصريحات من الدوحة بالتوصل إلى مشروع اتفاق بين كل من حركة طالبان والولايات المتحدة تعلن فيه الحركة وقف إطلاق النار مع قوات التحالف والحكومة في كابول، لقاء إعلان أميركي لجدولة الانسحاب من أفغانستان خلال 18 شهرا، دون أن يصدر حتى الآن توضيح بخصوص مصير القواعد العسكرية الكبيرة التي أنشأتها الولايات المتحدة هناك منذ دخولها إلى البلاد قبل 18 عاما، ولا عن وجهة القوات المنسحبة إن كانت عودة إلى الديار أو إعادة للتموضع في مناطق أخرى من العالم. وهذا الأمر قد يترك آثارا على الجدل الذي سيستمر خلال الفترة القادمة بخصوص التواجد الأميركي في العراق، بل وفي المنطقة عموما.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …