الرئيسية / عام / دولة الظل في العراق

دولة الظل في العراق

بقلم: حامد الكيلاني

تأتي زيارة الوفد الأممي برئاسة المحامي البريطاني كريم خان إلى العراق ولقائه بالمرجع المذهبي علي السيستاني في مهمة وصفت بأنها للتحقيق في جرائم تنظيم داعش الإرهابي وتوثيق الأدلة استعدادا لإجراءات تتعلق بمحاكمة المتهمين بجرائم حرب أو بالإبادة الجماعية، لتؤكد أن مفتاح العمل السياسي في العراق يخضع في جوهره لتوجهات ورضا المرجعية التي تحتمي بها معظم الأحزاب المتنفذة والحكومة والبرلمان بما يقترب من التعميم، بعد أن وصلت كل الأطراف إلى قناعة مفادها واضح وصريح في معالم المهمة الأممية في المدن المنكوبة والمدمرة بهويتها الوطنية والعروبية، بما يجعل الولاء إلى الأحزاب الطائفية المعروفة بولائها للمشروع الإيراني بعضا من العمل السياسي الذي يتطلع إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك المدن.

بادرة لم يعد لنا الحق أن نقول إنها خطيرة في العراق، وهي كما يبدو من صميم إدارة الدولة على عهد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وسعيه إلى النأي بالنفس عن ممارسات المحاصصة الطائفية في الخطاب الرسمي والأداء الحكومي، لكنه يمرر من الأبواب الخلفية مراسم زيارات الوفود الأجنبية إلى لقاء المراجع المذهبية كما حصل مع الوفد الفرنسي أو الوفد الأممي للتحقيق في جرائم داعش، وفي ذلك إحراج للمرجعيات لعدم اهتمامها التاريخي بشؤون السياسة وانصرافها إلى الفقه والتدريس والإفتاء في مجالاتها التخصصية، إلا إذا كان القصد يحمل بعدا سياسيا يمهد لمرحلة تم قطع شوط من مسيرتها في الوصول والإعداد إلى البوح بتطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق.

لتحقيق ذلك الهدف يحتاج زعماء العراق المحتل إلى الانتظار، لكن الانتظار طالما كان شاقا وعلاماته في فقدان الصبر بتشكيل الميليشيات وزراعة النباتات الجهنمية للفتنة الطائفية وفتح حدود العراق أمام الإرهاب بعد سحب القوات الأميركية على عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، مقابل التخطيط لاتفاق نووي سمح للنظام الحاكم في إيران بارتكاب كل الموبقات تنفيذا لثأر تاريخي تتعدد أزمنته ومبرراته، لكن دون شك كان لحرب الثماني سنوات في ثمانينات القرن الماضي الأثر الأكثر حضورا في ذاكرة الملالي ومن تولى السلطة في العراق من الذين قاتلوا إلى جانب الولي الفقيه ضد وطنهم الأم، وعادوا رفقة الاحتلال الأميركي في خلطة من التناقضات تكفي لتشرح ورطتهم وانقسامهم في الصراع الأميركي الإيراني، وما سينتج عنه من تغيير مواقفهم قد يدفعهم إلى توريط مرجعياتهم بالمزيد من الفتاوى، أو بإلقاء العهدة عليها للخلاص من تبعات جرد حساب لابد وأنه آت.

التحقيق في جرائم داعش وتوثيقها، يشبه إلى حد بعيد تسليط الضوء في الإعلام العالمي على كوارث تلقى استجابة لها في اهتمامات سياسات الدول لتناغمها مع المصالح والاستراتيجيات والصراعات الخفية، وكأن بقعة الضوء تلك هي خلاصة الحقيقة التي شخصتها الأمم المتحدة قياسا إلى ما ورد في المهمة الأممية أو في بعض ما قاله رئيسها، كريم خان، نقلا عن المرجع علي السيستاني عن أهمية التوثيق لجرائم داعش كما التوثيق لجرائم النازيين، ومطالبته ببذل المزيد من الاهتمام بالتحقيق في الجرائم التي استهدفت الإيزيديين في سنجار والمسيحيين في الموصل والتركمان في تلعفر.

الأسئلة تقع في منطقة الظلام التي يتجاهلها الإعلام أو المجتمع الدولي، أو التي لا يتم الاتفاق عليها بين الطرفين لعدم نضوجها أحيانا عند الطرف الثاني لتكاليفها السياسية والعسكرية والمادية ولتباين وجهات المصالح، وإلا كيف نفسر جرائم النظام الحاكم في سوريا بما تعرض له الآلاف من السوريين من صنوف التعذيب والتنكيل والموت في المعتقلات ورغم الوثاق والشهادات الموثقة، لكن المجتمع الدولي لم يزل يراوح موقفه في إعادة ترميم نظام لا يمكن ترميمه.

مفتاح العمل السياسي في العراق يخضع لتوجهات ورضا المرجعية التي تحتمي بها معظم الأحزاب المتنفذة والحكومة والبرلمان، بما يجعل الولاء إلى الأحزاب الطائفية المعروفة بولائها للمشروع الإيراني بعضا من العمل السياسي.

وفي العراق موطن التحقيق الدولي بجرائم داعش تتغاضى الأمم المتحدة عن العدد الأكبر من أهل الموصل الذين سقطوا ضحايا إجرام داعش، وضحايا القصف العشوائي للقوات النظامية في العمليات المشتركة مع قوات التحالف، وهم ضحايا تمييز طائفي وعنصري قبل احتلال الموصل والمدن الأخرى المستهدفة، وبعدها أثناء العمليات العسكرية أو بما جرى من إهانة وتجويع وتشريد وملاحقة وتجريح للكرامة.

من مفارقة منطقة الظلام أنها تدفع بالمجرم المرتهن لأجندات ومشاريع إلى بقعة الضوء المقصودة في الإعلام العالمي لتبدو القصة أقرب إلى إلقاء القبض على المجرم متلبسا بجريمته الموثقة بالصورة والصوت والشهود في مسرح الجريمة، بل وبما تبعثه في نفسه من حالة نشوة تتضح في اعترافه وافتخاره بجريمته على غرار ما يفعله كبار الملالي في إيران وهم سادرون في غيّ تصريحاتهم بخرق القوانين الدولية عابثين بمقدرات الشعوب ومنها شعوبهم التي تتندر، رغم ارتفاع نسبة الفقر المدقع إلى 35 بالمئة، لإطلاق القمر الصناعي “بيام” إلى الفضاء في محاولة “فاشلة” للتغطية على ما يجري على الساحة الإيرانية من هذيان الملالي وتحشيدهم للحرس الثوري وميليشياتهم خارج إيران لأغراض الدعاية والترهيب.

مبادرة دفع الوفود الأجنبية إلى زيارة المراجع المذهبية هي محاولة لرسم خرائط ومهمات سياسية تترافق مع الإفصاح عن ولاء عشرات أو ما يتعدى المئة من الميليشيات لمرجعية ولاية الفقيه الإيراني، وهذا يعني تجاوز المرجعية العراقية لذات المذهب بتاريخها وصلتها غير المقطوعة بالوطن أو بجذورها العربية الإسلامية، وذلك ما نحذر منه في انتظارهم لمتغيرات أو مفترق طرق في تأسيس ولاية فقيه صريحة في العراق تكون خاضعة للولي الفقيه الإيراني، وهو ما يحصل على الأرض بواقعية الأداء والتعويل والاسترشاد.

لا يمكن لنظام أو تنظيم إرهابي أن يفوق تنظيم داعش في جرائمه وتمدده إلا تنظيم الدولة الإيرانية الذي يسعى إلى الإفلات من العدالة والتحقيق الأممي والحساب المنتظر، وإلى ذلك اليوم القريب نخشى أن يتورط الكثيرون في التخلي عن حكمة تضمّ الجميع بصمت.

المصدر: العرب اللندنية

شاهد أيضاً

إما ردّ إسرائيلي أو تصعيد ضدّ لبنان

بقلم: علي حمادة- العربيةالشرق اليوم– كلما مر يوم وتأخر الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني تقلصت …