الرئيسية / مقالات رأي / هل يحبطنا الرئيس؟

هل يحبطنا الرئيس؟

بقلم: مشرق عباس

في الكواليس يتم تداول أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر معتكف عن التواصل مع الوسط السياسي العراقي منذ أسابيع، البعض يقول إنه محبط مما آلت اليه الأمور في حكومة عادل عبد المهدي، فيما أن حالة إحباط عام بدأت تتسلل على خلفية الطريقة غير المتوقعة التي تم من خلالها إدارة ملف تشكيل حكومة مازالت ناقصة وتتلاقفها اعتبارات وتقسيمات متناقضة.

ولكن وقت الاحباط مازال مبكراً، والزمن مازال متاحاً قبل الحديث عن فقدان الأمل، فعبد المهدي يعرف أكثر من سواه انه لم يكن نتاج توافق سياسي، وانما نتاج الوهن السياسي العام، كما انه ليس نتاج قرارات ورؤى قاسم سليماني وبريت ماكورغ، فحلفاء طهران جمعوا عددياً وبطرق مختلفة الكتلة الأكبر، ومع هذا لم يتمكنوا من استخدامها لاختيار رئيس الوزراء، وواشنطن مازالت تسأل عبر مراكز بحوث حائرة ومرتبكة عن انتماء عبد المهدي وميوله وخلفياته وطبيعة سياساته.

وعبد المهدي نفسه يدرك ايضاً أنه ناتج لقاءات عراقية صعبة ومعقدة، بين خواء حزبي انتهى إلى فشل مطبق، وغضب شعبي قد ينتهي إلى فوضى عارمة، وبين انهيار لكل الستراتيجيات والنظريات المكتبية الاقليمية والدولية في التعاطي مع القضية العراقية لمدة 16 عاماً.

قبيل اختياره رئيساً للحكومة، وخلال تداول اسمه ضمن المرشحين للمنصب كتب عبد المهدي مقالاً لافتاً بعنوان: “رئاسة الوزراء.. اشكركم، فالشروط غير متوفرة” فُهم على نطاق تحليلي بانه وضع للشروط على الطاولة، وكانت لفتة جديرة بالتقدير فعلاً، حيث يقول: “اؤكد اعتذاري عن المنافسة، ساواجه باغلبيات لن تسمح بتوفير الدعم اللازم”.

و”الدعم اللازم” حسب عبد المهدي يمتد الى جوهر الدولة، وتحريرها من انظمة الفساد السياسية والادارية والمالية والقانونية والقضائية والامنية التي تحيق بها، والى تلك القوى التي ستحاول الذهاب به حسب اراداتها، وسوف تواجهه وتعرقل اداءه عند كل مرحلة وفي كل عقدة تتطلب اتخاذ قرار لصالح مستقبل البلد.

أراد عبد المهدي أن يقول في ذلك المقال أن القضية لم تعد تتعلق بقبول القوى السياسية في لحظة انهيارها وضعفها وتخبطها به رئيساً للوزراء بعد أن رفضته لأربع دوارت متتالية، بل قبوله هو بها هذه المرة وفق الاليات والتقاليد التي صاغت السقوط الشامل للبلاد، كما لم يكن يحلم ألد اعداء العراق به.

عندما تضع شروطك تلك على الطاولة، ليس مقبولاً ان تتحدث بعد أسابيع من تسلمك المنصب عن أنك غير معني باختيار وزيرة التربية، وأن هذا دور القوى السياسية والبرلمان، رغم أنك أنت من دفع اسمها، أمام منصة مجلس النواب!، وليس مقبولاً، أن تسمح بتمرير قائمة وزارية لاترتقي بمعظمها إلى الاعتبارات التي وضعها مقال عبد المهدي نفسه، كما ليس معقولاً أن تحول مناصب مفصلية كوزارتي الداخلية والدفاع إلى مادة للإرادات الحزبية والأراء والاجتهادات، وتحديات كسر العظم بين زعماء سياسيين اصبحوا جميعاً بمجرد تسلمك المنصب التنفيذي الأعلى في العراق محكومين بارادتك وبشروطك للقبول بالمنصب!.

لايمكن الصمت طويلاً على عبد المهدي مقارنة بغيره، لأن الرجل منح الجميع حق عدم الصمت على أي نكث لتعهدات وثقها بمقالاته التي كانت جزءاً من مسار المراجعة والدعوة للتغيير والاصلاح حفلت بها السنوات الماضية، ولهذا يقف الجميع بذهول امام ترهل اداء وزراء في حكومته كاجتهاد وزير بالتخلي عن شركة كبرى من شركات وزارته الى مؤسسة أمنية بشكل غير قانوني ولا ينتمي إلى اي عرف او سلوك إداري واضح! وليس أقل من ذلك الأخبار التي لايرد عليها عن بيع المناصب الحكومية، واستفحال شبكات علاقات تابعة لشخصيات متنفذة معروفة بفسادها بابتزاز وزراء والضغط عليهم للحصول على صفقات والتهديد بشن الحروب الاعلامية في حال لم تنفذ مطالبهم!.

لا ينصح منصف الصدر باستعجال الاحباط في هذه المرحلة، ولا يمكن ان يقدّم مطلع على تعقيدات الوضع العراقي والإقليمي وحراجة موقف عبد المهدي، النصح للقوى المدنية والثقافية والريادية والشبابية في المجتمع باستعجال اتخاذ المواقف الرافضة لما يبدو للوهلة الاولى تخلخلاً في ثبات الاقدام على مسار التعهدات، فمن انتج مراجعات مثالية في لحظة استرخاء طويلة استمرت لسنوات، مازلنا نأمل أن بامكانه تطبيقها على الارض.

المصدر: الحياة اللندنية.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …