الرئيسية / الرئيسية / هل تكون ثروة المرجعية سببا لثورة الشعب العراقي؟

هل تكون ثروة المرجعية سببا لثورة الشعب العراقي؟

بقلم : د. نوره محمد علي

  • بلد الذهب الأسود يغرق في الفقر والطائفية
منذ أشهر قليلة، قام آلافٌ من العراقيين بالتظاهر احتجاجاً على سوء المعيشة وتردي الخدمات والفقر والبطالة، 14 شخصاً ممن طالبوا بحقوقهم لقوا حتفهم أثناء تظاهرهم، هؤلاء جميعاً ترجموا الواقع الأليم الذي يعيشونه في بلد الذهب الأسود، إنه العراق الذي كان يُعد في السابق منفذاً ورافداً اقتصادياً مهماً للدول المجاورة، الآن بات مواطنوه يشكون انعدام الخدمات الأساسية، كذلك تشير المعلومات الى أن أغلب المتظاهرين الذين انتفضوا هم من جنوب العراق؛ ومن فئة الشباب تحديداً.

سجلت مناطق البصرة وذي قار وميسان أعلى نسب فقرٍ في 2014 حسب الإحصائيات، وهذه المناطق الثلاث جنوبية شيعية المذهب، ولا يمكن مقارنتها بالمناطق السنية ذات البنية التحتية المدمرة بسبب سيطرة داعش (2014-2017) لأن الحيثيات مختلفة تماماً، وهذه الحقائق تعاكس الصورة التي يحاول الساسة الشيعة ورجال الدين الذين سيطروا على مقدرات العراق رسمها في العقول، المواطنون الشيعة ليسوا محميين من الفقر والبطالة كما يعتقد البعض بل هم الأشد فقراً في العراق لحد يصل أن تعيش بعض عوائلهم في المقابر أو أن يعتاشون على مكبات النفايات.

أغلب القتلى في المظاهرات السابقة هم من الشيعة أيضاً -إن لم يكونوا جميعهم- احتجّوا على البطالة التي يعيشها 31% من خريجي الجامعات في العراق، وطالبوا بمياه صالحة للشرب.

المفارقة التي يعيشها العراقيون -تحديداً الشيعة- هي إنهم يضعون آمالهم بمراجِعهم الدينية، ويفترضون إن المرجع الأعلى سيصنع فرقاً عند حصوله على أموالهم التي يجمعها من الضرائب ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، ولكن المشاهدات المتناقضة هي ما تجعلنا نشكك في هذا الطرح.

في ظل الفقر المدقع الذي يعيشه العراقيون تجد إمبراطوريةً مالية ضخمة يسيطر عليا رجلٌ واحد في العراق ويديرها ابنه البِكر، وأساس هذه الإمبراطورية هو مقدرات أبناء العراق المغمورون في الفقر والبطالة، ولا بد أنكن تعرفون عمن نتحدث، إن المرجعية الدينية العليا للشيعة في العالم هو آية الله علي السيستاني؛ الشخص الذي يسيطر على معظم معاهد النجف الدينية (الحوزة العلمية). ويسيطر على الوقف الشيعي وأمواله، وهو الشخص الوحيد الذي يمتلك سلطة جمع الضرائب من الشيعة في أنحاء العالم، ولا أحد في الدولة يملك السلطة لمساءلة السيستاني وابنه عن آلية صرف هذه الأموال أبداً.

أكثر التقديرات دقةً حول دخل السيستاني السنوي تتراوح بين 500 مليون و 700 مليون دولار ، في حين تتجاوز أصوله العالمية 3 مليارات دولار، ومنذ 2006 للآن ارتفع هذا الرقم كثيراً، كل هذه الأموال لها مصدر واحد مؤكد وهو أموال العراقيين والشيعة تحديداً. تهدف الضرائب الدينية التي يتبرع بها المؤمنون إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين ورفع مستويات المعيشة لأبناء الطائفة. ومن أهم الضرائب المفروضة على الشيعة هي ضريبة “الخمس” وهي ضريبة سنوية خاصة يدفعونها بخمس قيمة أراضيهم ومجوهراتهم وبعض أرباحهم التجارية، ويُفترض بها التكافل الاجتماعي كما ذكرنا؛ ومع ذلك يُلزم دفع عُشر الضريبة لرجل دين رفيع المستوى أو “مرجع التقليد”؛ الذي هو يفوق رجال الدين علماً ويتخذه الشيعة مرجعاً يقلدونه في الحياة اليومية ومتابعة الأمور الدينية. ولأن السيستاني -بالطبع- هو الأكثر تقليداً من الشيعة فله حصته المالية وسلطته على مؤسسة الضرائب الدينية.

الحديث عن النظام المالي الديني الذي يسيطر عليه السيستاني ليس أمراً بسيطاً! لكن بمقتضبِ الشرح فإن كل المؤسسات الدينية التي يقودها آية الله يأتي دخلها من التجار الأغنياء الشيعة الذين يتبرعون ويدفعون الضرائب من أنحاء العالم لوكلاء السيستاني؛ إن هؤلاء الوكلاء هم عبارة عن شبكة معقدة يديرون ويشرِفون على هذا النظام المالي، ومن خلال هذه الضرائب الدينية يتم تمويل المعاهد الدينية (الحوزة العلمية) بالطريقة التي يراها السيستاني ونجله، ولا ننسى إن البنية التحتية المالية للحوزة والمكونة من ملايين الدولارات هي موروثة لمؤسسة السيستاني، كما يَفترض دافعوا الضرائب أن أموالهم تذهب دعماً للفقراء والمحتاجين لا ترصيع المراقد والحسينيات بالذهب والاستحواذ على المبالغ المتبقية بصفة الشرعية الدينية للحصول على هذه الأموال.

ومن ناحية أخرى؛ بعد إلغاء وزارة الأوقاف العراقية 2003 وتشكيل دواوين الأوقاف لم تعد الدولة تتحمل مسؤولية إدارة الأوقاف الدينية المختلفة، على ذلك فإن ديوان الوقف الشيعي له مسؤولية إدارة الوقف الشيعي وأمواله والتصرف بها، ويرأسه بالوكالة علاء الدين الموسوي لكن اختيار الرئيس يأتي من قِبل السيستاني، ويوافق عليه رئيس الوزراء الذي -أيضاً ومن المتعارف عليه- يجب أن يكون مقبولاً بالنسبة للسيستاني، إن هذه الدائرة المغلقة تشير لأمرٍ واحد لا شك فيه هو إن السيستاني ليس مستقلاً عن السلطة بل هو يعلو عليها، فكيف يمكن للدولة العراقية أن تطلب من السيستاني وابنه أن يصرّحا عن آلية صرف أموال العراقيين وغير العراقيين من الشيعة؟

أمرٌ آخر لا يقل أهمية عما سبق؛ هو إن للوقف الشيعي حصته من الموازنة العراقية الاتحادية؛ فعلى سبيل المثال قد كانت النفقات حسب الدوائر الممولة مركزياً لسنة 2018م للوقف الشيعي (كنفقات جارية) ما يقارب 407 مليار دينار، وأما نفقات المشاريع الاستثمارية فكان -تقريباً- 45 مليون/(بالأف دينار) وهو المبلغ الذي يثير جدلاً مقارنة بالنفقات المشاريع الاستثمارية للوقف السني الذي لا يتعدى 2 مليار دينار، إذا وطالما كانت الحكومة تخصص هذه المبالغ لديوان الوقف الشيعي فكيف تُصرف ضرائب الخمس على الوقف؟! عدا عن كل نسب الفقر التي تجتاح المجتمع الشيعي في العراق؟

ولا ننسى الحديث عن أهم مصدر دخل يأتي به الوقف الشيعي لخزينة السيستاني وهو السياحة الدينية التي شكلت نسبة 96 % من مجمل السياحة العراقية، ويُتداول تسجيل العراق لدخول مليون ونصف زائر إلى الدولة عام 2010م، شكل الإيرانيون منهم 88 %، واقتصرت زيارتهم على النجف وكربلاء ثم سامراء وبغداد، ولكن لم تشكل هذه السياحة زيادة في الاقتصاد العراقي للأسف، لأن هذه الأموال تذهب للوقف الشيعي في العراق وليس إلى وزارة السياحة. وكذلك فإن ازدياد عدد الحجاج – وخاصة الإيرانيين – إلى هذه المدن الدينية يضاعف من دخل آية الله المالي باطراد.

إن المأساة الحقيقية هي إن المرجعية العليا وغيرها من السلطات الدينية قد قسّمت الدولة العراقية بالفعل، واستولت على مقدرات الدولة بموافقة ورضا السلطات الحاكمة واستحوذت على مشاعر المتدينين الشيعة وأموالهم، واستغلت قواعد المذهب الشيعي بتقليد المرجع لتصبح بنظر أفراد الطائفة شخصية معصومة تماماً، وبعد ذلك يأتي من يُخبرنا بأن السيستاني يسعى لدولة مدنية!! كيف ذلك وهو الشخص الذي قسم أموال العراقيين على أساس الطائفة؟ ويدّعي بأنه أشد حرصاً على أموال الشيعة من الدولة نفسها!؟ وبذات الوقت لا يوجد شخص واحد يستطيع اختراق حصنه المنيع ومعرفة أين تذهب هذه الأموال كلها!

وفي كتابه (العراق التائه بين الطائفية والقومية) يقول محمود الشناوي: “الغريب أنه وبعد ثماني سنوات من وصول المكون الشيعي إلى سدة الحكم، مازال غالبية المكون الشيعي يعاني الفقر والتخلف والأمراض والبطالة ونقص الخدمات والركود الاقتصادي، ومن يذهب إلى مدن الصدر والشعلة والكمالية وأحياء التنك (مناطق شيعية في بغداد) والجمهورية بمحافظة البصرة والحي بمحافظة واسط وعلي الغربي بمحافظة (ميسان). لا يجد إلا أحياء شديدة الفقر تنقص شوارعها أبسط الخدمات الأساسية”.

شاهد أيضاً

السوداني يترأس اجتماعاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني

الشرق اليوم– ترأس رئيس مجلس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، اليوم …